ذاق التابعي “ملك الصحافة” مرارة الفقر والحرمان، ونام على مقعد في “بدروم” عمارة الشاعر أحمد شوقي في شارع “جلال” مقر جريدة روز اليوسف في أيامها الأولى، ونام في جناح ملكي بفندق “جورج سان” بباريس، وامتلك أحدث أنواع السيارات في زمن كانت مقتصرة على الأثرياء وأصحاب المراتب.
سرد مصطفى أمين في جريدة “أخبار اليوم” 1985، أوجه “التابعي” المتعددة، الفقير، الغني، الثري، سلطان الحب، عاشق الراقصات والأميرات.
مصطفى أمين يروي أيام الفقر في حياة محمد التابعي
طرد “التابعي” من مدرسة الحقوق فعمل موظفا صغيرا بمصلحة التموين أثناء الحرب العالمية الأولى بستة جنيهات في الشهر، كان ينفق خمسة جنيها منها في اليوم الأول، ويعيش في التسعة والعشرين يوما الباقية بجنيه واحد، ثلاثة قروش لكل يوم، قرش لكل وجبة، وعشرة قروش باقية يدخل بها إلى دارين من دور السينما، ويدفع في كل مرة صاغ بقشيشا لعامل السينما.
قبل أن يجلس “التابعي” على مائدة ملكية كان يتناول “سميطة” و بيضة بخمسة مليمات، إذ يؤكد “أمين” أنه لم يحدث أن انتقل صحفي في تاريخ الصحافة مثلما انتقل “التابعي” للمستوى الملكي الذي عاش فيه.
محمد التابعي ومصطفى أمين في باريس
وحكى، أنه سافر معه ذات مرة إلى باريس، ورافقه إلى فندق “البرنس دوجال” وسأل “التابعي” عن الجناح الملكي فعلم أنه محجوز، فرفض أن يقيم في جناح آخر، فتوجها إلى فندق “جورج الخامس” وسألا الموظف عن الجناح الملكي، فرد الموظف، بأن ولي عهد إيطاليا الأمير “امبرتو” يقيم فيه، فأصر “التابعي” على أن ينصرفا إلى فندق ثالث، فلم يجدا جناحا أيضًا، فانتقلا لخامس وسادس، وكان الفندق السابع هو فندق “ماجستيك” فوجدا الجناح الملكي خاليا، فأقاما فيه.
بعدها أصر “التابعي” أن يصطحب “أمين” إلى “سان موريتز” وأصر أن ينزلا في الجناح الملكي الذي كان ينزل فيه الملك “فاروق”، يروي “أمين”: “وكان كل أصدقاء التابعي في هذه الرحلة من الأمراء والأميرات والدوقات والكونتيسات، وكان يجد متعة غريبة إذا جلس معهم في مقهي أو في مشرب أن يدفع هو الحساب، وكان يجد متعة أن ينافس البارون روتشيلد على غرام حسناء”.
أكد “أمين” هذه الأموال التي انفقها “التابعي” في هذه الرحلة كان دينا من الخواجا “ساسون” تاجر الورق الشهير وقتها.
أثناء عمل “التابعي” بجريدة “الإيجبشيان جازيت” كان يتحصل على تسعة جنيهات في الشهر، وشعر أنه انتقل إلى طبقة الأغنياء، فأجب على الفور إحدى الراقصات الأجنبيات ودعاها للعشاء في فندق “شبرد” وفتحي لها زجاجتي “شامبانيا” وأعطى الجرسون جنيهين بقشيش، فانبهرت به، ولم تعرف أنه عاد إلى بيته سيرًا على الأقدام، فلم يتبق من راتبه إلا ستة مليمات يدفعها مقابل لتذكرة الترام إلى غرفته الصغيرة.
نُشر لـ محمد التابعي أول مقال نقد مسرحي في تاريخ الصحافة المصرية في جريدة “الأهرام”، بعدما كتب ينتقد إحدى المسرحيات وعرض ما كتبه على دواد بركات رئيس تحرير “الأهرام” آنذاك، ونُشر المقال بدون اسم “التابعي” فلم يجرؤ أن يوقع باسمه الصريح خشية أن يرفد من وظيفته في مجلس النواب، فقد كان يعملا مترجما من اللغة العربية إلى الإنجليزية بمرتب اثني عشر جنيها في الشهر في مجلس النواب.
نشر المقال النقدي باسم “حندس” وكان هو الاسم الذي يناديه به أصحابه.
عرضت “روز اليوسف” على “التابعي” أن يكتب معها، لكنه رفض بحجة أنه لا يصلح للكتابة في الصحف اليومية، لكن عندما علم أن كتاب المجلة هم “العقاد، و”المازني” أصر على أن يكون له مكانة بينهم، وبدأ في كتابة صفحة مسرحية واحدة، وصدرت المجلة، لكنها فشلت في التوزيع. يقول “أمين”: “بعد أسابيع قليلة تخلص التابعي من القعاد والمازني ولطفي جمعة وإبراهيم رمزي وكتب المجلة من الغلاف إلى الغلاف، وارتفع توزيع المجلة وشقت طريقها بين المجلات الأسبوعية في البلاد”.