يوم السبت، 26 يناير بدأت أحداث حريق القاهرة عام1952، كانت المظاهرات غاضبة تجوب شوارع القاهرة، بداية من معسكر جنود بلوك النظام بالعباسية متجهة إلى معسكر الفدائيين “فؤاد” بالجيزة، وتوجهت المظاهرات إلى مقر مجلس الوزراء في لاظوغلي للاحتجاج ضد الإنجليز بسبب ما ارتكبوه في حق الجنود المصريين.
خطب عبد الفتاح حسن، وزير الشئون الاجتماعية، وحاول تهدأتهم، قائلًا: “هذا يومكم، ستثأرون لشهدائكم، وسنعرض صدورنا لرصاص العدو، بل وفي مقدمتكم”.
حريق القاهرة عام1952 .. دمار 700 محل وسينما ريفولي
في هذه اللحظة، كانت إحدى هذه المظاهرات تتجه ناحية قصر عابدين، فلما وصلت إلى تمثال إبراهيم باشا في الثانية عشرة ظهرًا، خرج منه بضعة أفراد فاقتحموا، كازينو أوبرا، وألقوا بالمقاعد والمناضد إلى الميدان، وأشعلوا فيها النيران، بعد 10 دقائق تكرر الحادث في سينما ريفولي بشارع فؤاد.
بعدها اندلعت الحرائق في المتاجر الكبرى والفنادق والبنوك والنوادي، وكان المتظاهرون يمنعون رجال الإطفاء من عملهم، ويمزقون خراطيم المياه، وتحولت القاهرة إلى بركان نار، وما أن حل الظلام، كان الدمار قد قضى على 700 محل تجاري.
يروى المؤرخ جمال بدوي، أن أعمال الحريق كانت تحدث بطريقة متشابهة ونظام، المتظاهرون يخرج منهم عدد قليل مرتدين زي العمال حاملين صفائح البنزين وأكياس بودرة فوسفور سريعة الاشتعال، بعضهم يحطم أبواب المتاجر بالعتلات، والآخرين يدخلون المكان وهم في غاية الثبات والهدوء، يغمسون قطع القماش في البنزين وينثرون البودرة على الأرض ثم يشعلون النار، ويتركون للمتظاهرين حرية السلب والنهب.
حريق القاهرة عام1952 .. حصار في قصر عابدين
كان الضباط من الجيش والبوليس محاصرين في قصر عابدين حول مائدة الطعام الملكية التي أقامها الملك فاروق للاحتفال بولادة ولي عهده أحمد فؤاد.
في المساء أعلنت حكومة النحاس الأحكام العرفية، ونزلت بعض فرق الجيش إلى حديقة الأزبكية في محاولة يائسة لإعادة الأمن.
في اليوم التالي أقال الملك حكومة النحاس، وعهد برئاسة الوزارة إلى علي ماهر، وبدأت سلسة من التحقيقات ونصبت محكمة عسكرية لمحاكمة المتهمين على رأسهم، أحمد حسين زعيم الحزب الاشتراكي بتهمة التحريض على الحريق، وآخرين اتهموا بالسلب والنهب.
أجضهت الحركة الوطنية التي كانت قد بلغت مداها في نشاط الفدائيين بمنطقة القناة، ودخلت البلاد مرحلة البيات والترقب حتى قيام ثورة 23 يوليو1952 بعد 6 أشهر فتغير وجه الحياة السياسية.
أقيم النظام الجمهوري وانتهى حكم أسرة محمد علي الذي دام قرنا ونصف قرن، فقد بقى الحادث لغزًا محيرًا للمؤرخين والباحثين الذين تعددت اجتهادتهم حول الفاعل الأصلي، ولم يتفقوا على الحقيقة.
حريق القاهرة عام1952.. شهادات متهمين
كتب فكري أباظة في العدد الصادر 8 فبراير 1952 بمجلة المصور: “وشهد فايز جرجس الترزي فقال، للمهاجمين إن محل الدولز يملكه رجل مصري بناه بعرق جبينه فقالوا إن هذا لا يمنع تدميره لأنه يقدم الخمور والرقص، ثم قذف أحدهم بحجر على الباب الزجاجي فحطمه”.
وتابع: “انساب الغوغاء إلى الداخل وأخذوا يلقون محتوياته إلى الشارع فيحطمها زملاؤهم ويشعلون فيها النار، وفجأة رأينا رجل يحمل علمًا أخضر، وقدم للمتظاهرين كرات صغيرة فأخذوا يلقونها إلى داخل المحل، فكانت تنفجر بشدة بمجرد ملامستها الأرض، فتزايد بعدها اضطرام النار، وامتد إلى محل الترزي المجاور الذي أعمل فيه، وأتت النار تماما على الدولز والترزي”.
انتقلت أعمال التدمير إلى فندق فكتوريا بشارع إبراهيم باشا، وفي شهادته، جذب المسيو، البير روزنبرج، الموظف بالفندق من رأسه، وهو يقول: “في الساعة الـ 3 بعد الظهر، فوجئنا بالناس يتدفقون علينا هربًا من الاعتداءات التي وقعت في القاهرة، فأغلقنا الأبواب وتجمع النزلاء في البهو، ولكن المتظاهرين كسروا الباب الرئيسي”.
وواصل “رزنبرج” شهادته: “قال أحدهم وكان يرتدي بالطو فوق جلباب بلدي، أخرجوا الناس بره علشان راح نحرق اللوكاندة، ولكن زملاءه لم يتريثوا حتى ينجو الناس، فبدأوا يصعدون الدرج، ويلقون محتويات الغرف إلى الدور الأرضي ويضرمون فيها النار، وكان مسيو رايتا زوبولد، وهو كهل تخطى عمره الـ70 عامًا، حاول النجاة من الباب الخلفي، وغاب عن أبصارنا، فوجدنا في الصباح جثته هامدة، وظلت النار مشتعلة في الفندق يومين كاملين حتى أن إحدى الخزائن الحديدية انصهرت من شدة الحرارة واحترقت محتوياتها”.
حريق القاهرة عام1952.. شهادة رئيس سعاة محلات شكوريل
قال، إبراهيم جبريل، رئيس سعاة محلات شكوريل، إنه في الساعة الـ 4:30 مساء، كنت مع 6 مع الفراشين، نتطلع في خوف وحذر من خلال النوافذ الزجاجية إلى الثائرين وهم يحرقون سينما متروبول، ومحلات أوركو، رأيت زملائي الـ5 يتملكهم الخوف والفزع ويسرعون إلى الخارج للنجاة، وظللت بمفردي في الدوري العلوي، بينما زملائي في الخارج يحاولون منع التدمير ولكنهم فشلوا.
تابع، ظلت وحده في الدور العلوي، بينما كان زملاؤه في الخارج يحاولون منع التدمير ولكنهم فشلوا، وانهالت البلط على الواجهات الزجاجية وتدفق المهاجمون إلى الدخل، ولم تمض دقائق حتى أصبح المتجر كله شعلة من النيران، وأحاطته ألسنة اللهب، فألقى بجسمه نحو العمود الحديدي الذي ينزلق عليه المصعد، لكنه نجى.
- سنواصل سرد بقية أحداث حريق القاهرة في القصة المقبلة.. غدًا
اقرأ أيضًا: