نستكمل نشر تفاصيل.. تاريخ حادث شريهان كما روته في الصحف والمجلات آنذاك… وننشره كما روته بنفسها..
تاريخ حادث شريهان
ذهبت انا وزوجي الى باريس قابلنا “المستر كامي” الذي أجرى الجراحة، وأوصى بإعادة الجراحة مرة أخرى، فأصيب بالرعب وقتها، لأني لم أكن اعرف ماذا سيحدث هذه المرة.
لكن زوجي قال لي:” تعالى نسافر أمريكا لأن جراحة العظام هناك أفضل، نستشيرهم من باب التأكيد”، وذهبنا فعلًا للمستر”ديفيد واطسون” المتخصص في جراحة العمود الفقري، فأكد لي هو الآخر على ضرورة اجراء الجراحة، إنما الخلاف كان في طريقة إجرائها، هل نفتح من الأمام أم من الظهر؟
مستر”واطسون” كان يفضل اجراء العملية الأمام لأن عملها من الخلف سيكون فيه مخاطرة كبيرة لأن هذه المنطقة “مترشمة” بالأعصاب، العين والأذن والوجه والفم” واي خطأ كان سيفقد هذه الأعضاء وظيفتها، لكن وقتها انا خفت من عملية الفتح من الأمام لأنها ستشوه جسمي، فعدت مرة أخرى للمستر”كامي” في باريس، ونقلت له ما قاله “واطسون” فرد علىّ بثقة وقتها وقال:” يامدادا أنا حافظ كل قطعة في ظهرك صدقيني ما تخافيش أبدًا”.
والحقيقة وقتها هو كان مستعجب جدًا ومستغرب من حدوث الكسر “المسمار البلاتين ما بيتكسرش أبدًا، حتى لو نشرناه بمنشار، ازاي انكسر؟!
والدكتور الغوابي حضر الذي حضر معي الجراحة الثانية في باريس اكد لي أن الجراح الفرنسي بكى وهو في غرفة العمليات عندما شاهد الفقرات المكسورة وواجهته صعوبة بالغة في استخراج المسمارين المكسورين، وكان حزين جدًا ومنفعل لدرجة انه امسك نصفي السليم واخذ يضرب عليه بمفك ويقول:”اهه ما بيتكسرش، ما بيتكسرش”!.
متى وقع حادث شريهان؟
وفي التاسع من أكتوبر 1990، كتب الله لي شهادة ميلاد جديدة ، فعندما افقت من البنج قال لي: الحمد لله العملية دي اضمن بكتير من العملية اللى فاتت” لأننا استعملنا فيها عظم من جسمك اخذناه من عظم الحوض والرجل ووضعناه في الفقرات المهشمة في عمود الفقري بعكس المرة السابقة التي استعملنا معها “جرافت” أو عظم صناعي وجسمك رفضها لأنها جسم غريب، لكن هذه المرة جسمك سيقبلها وعظمك سينمو حولها لأنها جزء منه. وطلب مني الراحة التامة وعدم الانزعاج او الزيارات قال لي:”بايدك تقومي وبأيدك تفضلي نايمة..الراحة أهم شىء فقررت عدم النزول للقاهرة إلا وانا واقفة على رجلي”.
وكان من أسباب كسر المسمارين في المرة السابقة المجهود الذي بذلته بعد شهر واحد من الجراحة بعد عودتي على كرسي متحرك فكنت اقف لأسلم على كل من يأتي لزيارتي..اقوم واقعد.. واقوم واقعد.. فنتيجة لذلك لم ينمو العظم حول الفقرات الصناعية التي ركبها الدكتور في الجراحة الأولى، لأنه مكنش ممكن يزورني عادل إمام ولا اقمش اسلم عليه أو يزورني فريد شوقي ومحمود عبد العزيز ويسرا ولا اقمش اسلم عليهم.
المرة دي حلفت ما انزل مصر إلا وأنا واقفة على قدمي والحمد لله عدت وقتها والحمد لله ربنا استجاب لي .
وعندما تماثلت للشفاء قررت بيني وبين نفسي أن أعود بشكل قوي وجديد، وقررت أفاجىء الناس خصوصًا الذين أشاعوا إني فيّ كذا وكذا وانني لن استطيع ان اجري ولا ارقص ولا امثل مرة اخرى، فوجدت أفضل شىء هو مسرحية “شارع محمد علي” المسرحية التي احببتها من قبل ان امثلها خاصة ان كاتبها عبقري الكوميديا الراحل”بهجت قمر” كتبها خصيصًا لي ووصاني قبل وفاته بأيام أن اتبناها وأنتجها لحسابي، وكان نفسي افتح بيها مسرحي الجديد لكن الحادثة وقفت كل حاجة بما فيها المسرح اللي انهارده ورغم ما صرفته عليه مازال خرابة محتاج فلوس.
وطاردتني الشائعات وقتها، وكانوا يقولون ان هناك فريقًا من الاطباء يقف خارج المسرح كل ليلة تحسبًا لاي اصابة تحدث. ولم يكن ينتظري فعلًا في الخارج سوى سكرتيري جمال أنور والماكيير واللبيسة. ووقتها قالوا أن “شريهان” بتحمد ربنا لانه رجعها ترقص من تاني..معقولة؟ معقولة انا كنت بشكر ربنا فقط لانه خلاني ارجع ارقص؟ يا ناس ده انا كنت بشكر ربنا كل ما بأفتح عيني، كل ما باقف على رجلي، كل ما بامشي، طب بزمتك ده كلام كان يوجع ولا لأ؟ ثم أنا مكنتش رقاصة! حتى لو كنت رقاصة فهي مهنة..والله العظيم باكلمك جد هي مهنة..وعمرها ما كانت عيب أو حرام..لكن أنا مش رقاصة علشان اقول الحمد لله انه اول ما رجعت رقصت!
والحقيقة ان الذي شجعني على العودة لمسرحية “شارع محمد علي” هو الاب والاخ والاستاذ سمير خفاجي الذي وقف بجانبي في مرضي وعلاجي بمصر والخارج، قالي:”ولا يهمك أنا سأنفق على المسرحية المبالغ المطلوبة وأنا في قمة سعادتي لانك ستقفين مرة أخرى على خشبة المسرح وسترجعين لفنك وحياتك”. ودائمًا ما كان يطمئنني ويقول لي:”لو تعبانه مش مهم نأجل” واستمرت البروفات من شهر أبريل 1991 الى افتتاح العرض في نصف يوليه. وكانت مسرحية “شارع محمد علي” هي أنسب عمل يليق بعودتي بعد غياب ثلاث سنوات كاملة.(المصدر:حسام عبد الهادي، روز اليوسف، 1999)
لم أهمل فني مطلقًا ولن يحدث أن أهمل فني في يوم من الأيام، فهو الشىء الوحيد بعد “لولوا” الذي يسعدني ويملأ عليّ حياتي، صحيح صادفتني عقبات وصعوبات أثناء مسيرتي الفنية كادت تجعلني أعتزل الفن وابتعد عن الساحة بكاملها لكنني عندما كنت أخلو إلى نفسي وأدرس وأحلل بموضوعية الموقف أجدني على خطأ وأن الأمر لا يتعدي مجرد موقف “ويعدي” وقد تعودت على مثل هذه الأمور ولذلك أصبحت أتعامل بمنطق اللامبالاة في حياتي الفنية.
تخطيت عقبات وصعوبات كثيرة في حياتي وكان أثقلها على كاهلي الشائعات الكثيرة التي ظلت تطاردني، وكأنني الفنانة الوحيدة التي ليس من حقها أن تعيش كإنسانة طبيعية وتلقائية، لقد كانت الأعين تترصدني وتتصيد أخطائي وإن كانت من وجهة نظري ليست أخطاء بقدر ما هي تصرفات عادية يتصرفها كل الناس مثل أن أحب أو أتزوج أو أسافر أو أمرض، فكانوا ينسجون عني الحكايات والأساطير على كل خطوة أخطوها أو مع كل تصرف أتصرفه.
لكني بدأت ألقي بمثل هذه الأمور خلف ظهري وأعيش حياتي كما أحب لأنه لا يوجد أحد قادر على تحمل عبء المعاناة الشديدة عني والتي تؤرقني أنا وحدي.
“لولوا” تحتل المكانة الأولى في قلبي وحياتي، وعلى فكرة “لولوا” لم تجعلني أهمل فني مطلقًا، وبعد مجيئها قدمت أعمالًا جيدة منها مسلسل”أنف وثلاث عيون” عن قصة الكاتب الكبير الراحل إحسان عبد القدوس، والذي قدمت له أول أفلام حياتي “العذراء والشعر الأبيض” والمسلسل تم تقديمه من قبل في فيلم سينمائي بنفس الاسم، كذلك قدمت أفلام”لماضة” من إخراج محمد عبد العزيز، و عرق البلح من إخراج رضوان الكاشف، والفيلمان اشتركا في مهرجانات سينمائية عديدة منها على سبيل المثال مهرجان الإسكندرية السينمائي عام 1998، ومهرجان الأفلام الروائية.
ولا أخفي انني اخترت اسم “لولوا” لبنتي، لأنه من الأسماء الغريبة والنادرة فأنا لا أحب الأشياء المكررة في حياتي، بالإضافة إلى ان معناه”اللؤلؤ” وهو من المجوهرات الثمينة التي تتميز بلونها الأبيض الناصع النقي وهو اللون الذي أفضله سواء في ملابسي أو حتى في تعاملاتي الحياتية فأنا أحب أن تكون حياتي صفحة بيضاء لا يعكرها شىء.(روز اليوسف 2002، محمد هاني).
اعلنت عن مرضي الخطير عن طريق رسالة في مساء الأثنين عام 2002، قرأها ممدوح الليثي في حفل توزيع جوائز مهرجان الإسكندرية السينمائي، والذي حصلت فيه على جايزة أحسن ممثلة عن دوري في فيلم العشق والدم، ولم اتمكن من الحضور لاستلام الجائزة.
يمكنك قراءة الجزء الأول من تاريخ حادث الفنانة شريهان بالصور… اضغط هنا