روى جمال حماد أحد أعضاء الضباط الأحرار وكاتب أول بيان ثورة 1952 حكاية الصراع بين محمد نجيب وعبد الناصر على السلطة.
أشار جمال حماد في مقاله المنشور بجريدة “الأهرام” 1999، أن جذور الصراع بين محمد نجيب وعبد الناصر اشتعلت خلال شهري مارس وفبراير عام 1954 بدأت من الأشهر الأولى من الثورة، إذ لم يكون “ناصر” برتبته الصغيرة وشخصيته المجهولة- على حد وصف حماد- من الكثيرين من أفراد الشعب والشعب بالقدرة على الدخول في منافسة متكافئة مع “نجيب” ذو الشعبية الضخمة والجماهيرية الكبيرة داخل مصر وخارجها، حيث تولى بعد شهرين من قيام الثورة أخطر 3 مناصب في الدولة، مجلس قيادة الثورة، ورئاسة مجلس الوزراء والقيادة العامة للقوات المسلحة.
وأوضح “حماد” أن محمد نجيب استحوذ على سلطات لم يستحوذ عليها شخص واحد من قبله، وتركزت عليه الأضواء باعتباره الرجل الذي قاد الثورة وطرد الملك وأنقذ الشعب المصري من الظلم والطغيان.
ولفت جمال حماد، أن الغيرة تمكنت من “عبد الناصر” بحكم أنه الصانع الحقيقي للثورة وشعر بالاستياء من استحواذ “نجيب” على كل هذه المناصب، لذا بدأ في التخطيط منذ منتصف عام 53 بعد أن حقق أغراضه منه ونجحت الثورة الثورة وتوطدت دعائمها في المرحلة الأولى الخطيرة.
كانت أول الخطوات التي بدأها “عبد الناصر” – حسب جمال حماد- لتحقيق غرضه والتخلص من محمد نجيب هي السيطرة على القوات المسحلة باعتبارها العامل الحاسم في أي صراع يقع بينه وبين محمد نجيب.
أضاف “حماد”: “حرص عبد الناصر على إعلان إلغاء الملكية وقيام الجمهورية في مصر في 18 يونيو 53 وتولى محمد نجيب رئاسة الجمهورية وينتزع صديقه الحميم عبد الحكيم عامر الذي أصر على ترقيته من رائد إلى لواء دفعة واخدة، وبرغم المعارضة العنيفة من نجيب وتذمر بعض أعضاء مجلس الثورة وخاصة عبد اللطيف البغدادي إلا أن عبد الناصر لجأ لكل الطرق والوسائل حتى نجح في أن يولي عبد الحكيم عامر القيادة العامة”.
وتابع: كان أول قرار وقعه نجيب بوصفه رئيسا للجمهورية وهو الأمر الجمهوري رقم 1 هو تعيين عبد الحكيم عامر قائدا عاما للقوات المسحلة مع منحه رتبة لواء”.
صراع محمد نجيب وعبد الناصر
كشف جمال حماد في مقاله لـ “الأهرام” 1999، أن أزمة فبراير 1954، بدأت بالرسالة التي أرسلها محمد نجيب مع سكرتيره العسكري الرائد إسماعيل فريد إلى مجلس قيادة الثورة يوم الثلاثاء 23 فبراير 1954، وتضمنت، استقالته من جميع المناصب التي كان يتولاها.
وكان توقيع أعضاء مجلس قيادة الثورة على هذه الاستقاله له وقع الصدمة أو على حد وصف “حماد”: “الصاعقة”.
وأكد “حماد” أن محمد نجيب لم يقدم استقالته إلا بعدما تأكد أن استمرار رئيسا للجمهورية ولمجلس قيادة الثورة ورئاسة الوزراء أصبح أمرا مستحيلا، خاصة وأنه صبر على سلسلة من التجاهلات وعدم الاحترام من أعضاء مجلس قيادة الثورة.
عقد مجلس قيادة الثورة عدة جلسات في الساعة الثانية من صباح يوم الخميس 25 فبراير 1954، واتخذ قراره بقبول استقالة محمد نجيب وعبد الناصر عُين رئيسا لمجلس الوزراء ومجلس قيادة الثورة على أن يظل منصب رئيس الجمهورية شاغرا لحين عودة الحياة النيابية.
صراع محمد نجيب وعبد الناصر
وأضاف جمال حماد، أن مجلس قيادة الثورة لم يكن يتخيل أن زمام الموقف سيهرب من أيديهم خاصة بعد أن نجح أعوانهم في حصار ثكنات الفرسان بقواتهم والقيام بالضغط عليهم داخل القيادة العامة حتى أرغموهم عن التراجع عن قراراتهم التي أعلنتها وإعلان عبد الناصر على ضباط سلاح الفرسان.
وتصاعدت الأمور بعدما امتلأت الشوارع وسط العاصمة بحشود هائلة من المواطنين تجمعوا في مظاهرات كان يقود معظمها عناصر من الإخوان المسلمين الذي كان معظم قياداتهم في السجون بعد قرار حل الجماعة في 13 يناير 1954 وكانوا يهتفون “محمد نجيب أو الثورة”.
وفي نفس اللحظة، خرجت مظاهرات في السودان تهتفت “لا وحدة بلا نجيب”.
فوجىء مجلس الثورة ببيان في الساعة السادسة من مساء يوم 27 فبراير 1954 كان نصه: “حفاظا على وحدة الأمة يعلن مجلس قيادة الثورة عودة اللواء أركان حرب محمد نجيب رئيسا للجمهورية وقد وافق سيادته على ذلك”.
يكشف “حماد”، أنه على الرغم من البيانات والتصريحان التي كانت تملأ الصحف بعد انتهاء أزمة فبراير 1954، والصادرة من محمد نجيب وعبد الناصر وبعض أعضاء مجلس قيادة الثورة، التي كانت تتحدث عن وحدة الصف ونسيان الماضي.
إلا أن الواقع كان يخالف ذلك، فقد اكتشف “عبد الناصر” أن “نجيب” أصبح أكثر قوة من ذي قبل على الرغم من “ناصر” كان يملك زمام الأمور والسلطة الفعلية في البلاد
التقى “نجيب” بعبد الرازق السنهوري في منزله مساء يوم 7 مارس 1954، وتصادف وجود سليمان حافظ وعبد الجليل العمري، وطلب “السنهوري” من “نجيب” تصفية النفوس فشرح له “نجيب” ما جرى له قبل تقديم استقالته من تعدي عليه من الضباط الصغار.
بعد “انصراف” هاتف “السنهوري” جمال عبد الناصر وطلب من الحضور إلى منزله صباح اليوم التالي رفقة سليمان حافظ وعبد الجليل العمري ليعرف منهم مطالب محمد نجيب.
صراع محمد نجيب وعبد الناصر
استمع “عبد الناصر” وكان رفقته جمال سالم، من “السنهوري” وعرف منه مطالب “نجيب”، فوعد “ناصر” السنهوري بأنه سيبلغه رده في الخامسة من نفس اليوم، وخلال اجتماع جمال عبد الناصر بمجلس قيادة الثورة لمناقشة مطالب محمد نجيب، اتصل به سليمان حاظ ليبلغه مطالب جديدة من محمد نجيب وبدا بوضوح لمجلس قيادة الثورة أن “نجيب” ينتهز الفرصة للحصول على مزيد من السلطة لشخصه، وزادت المطالب من حدة الوضع وتوتره.
واستعان “حماد” في مقاله لـ “الأهرام” الذي يروي فيه قصة الصراع بين محمد نجيب وعبد الناصر، بما ورد في مذكرات عبد اللطيف البغدادي في الصفحة (146)، حيث قال، أنه في زيارته رفقة كمال حسين وحسن إبراهيم يوم 21 مارس لمنزل عبد الناصر بسبب مرضه أبلغهم أن الانفجارات السنة التي حدث في 20 مارس في محطة السكة الحديد وجامعة القاهرة ومحل جروبي كانت من تدبيره لأنه كان يرغب في إثارة القلق في النفوس ويشعر الناس بعدم الأمن والطمأنينة وأنهم بحاجة إلى من يحميهم.
في مساء يوم 17 إبريل 1954، عقد مجلس الثورة اجتماعا برئاسة جمال عبد الناسر اتفقوا خلال الاجتماع على أن يكتفي اللواء محمد نجيب برئاسة الجمهورية فقط، ويتولى عبد الناصر رئاسة الوزارة بدلا منه.
يضيف جمال حماد: “وكانت تنحية محمد نجيب من رئاسة الوزارة بمثابة تنحيته عن السطلة تماما وانتهت في الواقع الرحلة الأخيرة من مراحلة الصراع على السطلة بينه وبين عبد الناصر ففي الوقت الذي تجمعت في يده كل خيوط السلطة”.
وأضاف: “بدأ عبد الناصر قبع محمد نجيب ساكنا في مكبته بقصر عابدين دون أي سلطة أو نفوذ انتظارا لمصيره المحتوم وفي 14 نوفمبر 1954 أصدر مجلس قيادة الثورة قرارا بإعفاء محمد نجيب من منصب رئيس الجمهورية على أن يتولى مجلس الوزراء سلطات رئيس الجمهورية”.
كما صدر قرار بتحديد إقامته خارج القاهرة وحرمانه من حقوقه السياسية لمدة 10 سنوات وظل محمد نجيب محدد الإقامة في استراحة السيدة زينب الوكيل بالمرج لمدة 18 سنة”.
اقرأ أيضًا:
- وقائع جديدة عن خطاب النكسة.. للقراء اضغط هنا
- أسرار من حياة الرئيس السادات.. للقراءة اضغط هنا
- كيف تعامل عبد الناصر مع المثقفين.. للقراءة اضغط هنا