ما يميز شعر صلاح عبد الصبور؟…بدأ صلاح عبد الصبور يفرض الشعر ويعرضه على أصدقائه وهو ابن الخامسة عشرة ثم اشتد عوده بعدها بسنوات ليست بالكثيرة،خرج بعدها بأول ديوان شعري للعالم العربي «الناس في بلادي» بوصفه رائدًا من رواد الشعر الجديد.بل إستاذًاكبيرًا في مدرسة هذا الشعر،ثم ظهرت دواوينه الأخري تباعًا لتؤكد هذه الحقيقة.
ما يميز شعر صلاح عبد الصبور؟
ثم أحس الشاعر أن مسؤليته أكبر منمجرد قول الشعر ،وإن يكن أصيلًا وفعالًا ،بل إنه كان صريحًا مع ذاته عندما أعلن أنه لا خلاص لأزمة الشعر إلا إذا دخل المسرح من أوسع أبوابه ،وأحس في الوقت نفسه أنه قادر على أن يستجيب لمطلب نفسه ،فكتب المسرح الشعري أول ما كتب ناضجًا شامخًا.
وقد كان «عبد الصبور» يعيش فيما بين فترات الإنفعال الشاعري الصاخب،فترات أخرى من التفكير الهادىء،الذي كان يصاحب قراءاته في رحاب شاسعة من النتاج الفكري لأمم شتى،ونتاجه الفكر والفني للأزمة العربية ،قديما وحديثًا ،فكتب كتاباته النثرية ببراعة المفكر ،وأصالة الشاعر الصادق معًا.
أصبح «صلاح عبد الصبور» لا ينظر إليه بحسبه شاعرًا مرموقًا بل إنه يمثل ظاهره فنية فكرية، وتتميزهذه الظاهرة بالوضوح والثبات والقدرة على إجتذاب الأنظار إليها، وأخيرًا بالقابلية والدراسة والتحليل .حسبما قالت «نبيلة إبراهيم » في دراستها للاعمال النثرية لـ«عبد الصبور».
وكما ذكر «مجدي فرج» في محاولة نقدية لــ«عبد الصبور» أن القيمة الأساسية في تجربته تنهض على عنصرين أساسين يتحدد اولهما في قدراته على تمثل تجارب الحياة شكلًا وموضوعًا ، وثانيهما في ثقافته العريضة والمتنوعة .
ما يميز شعر صلاح عبد الصبور؟
يطرح الشاعر«صلاح عبد الصبور» في البداية محنته الذاتيه كفرد في مواجهة المجموع “الناس في بلادي” يفلسف هذه المحنة في تجربته التالية نوعًا من التأمل العميق ومحاولة إكتشاف قوانين الصراع الإنساني في” تأملات في زمن جريح” ،داخل هذه الإطار الفكري تتفجر بذور الرفض الذييحرك ووجدان الشاعر إلى محاكاة البطل الرومانسي “احلام الفارس القديم”.
وفي ديوان “شجر الليل” يسعى لإكتشافات إيقاعات جديدة للمركب اللغوي، فضلًا عن حالة التصوف التي تسيطر على وجدان الشاعر، والتي اتضحت وتبلورت بمسرحيته “ماسأة الحلاج” وهو ليس تصوفًا متعاليًا على الواقع ، بل هو تصوف مشارك في الحياة، يسعى لإعادة صياغتها على نحو جديد ،بحيث تكون محتملة وممكنة، وهذا ما يكشف عنه ديوانه الأخير”الإبحار في الذاكرة”.
كذلك أسهم «عبد الصبور» في المسرح الشعري ،حيث يتحول البطل الرومانسي”الفارس القديم” إلى بطل مادي إجتماعي في “ماسأة الحلاج” تقتله الكلمة ،فيرتفع باستشهاده فوق ظلم السلطة وقهر الواقع،ثم يدين القهر في “مسافر الليل” وفي “ليلى والمجنون” يتنبأ بالفارس المخلص القادم من بعده،بشرط أن يحمل سيف،وأخيرًا تكشف مسرحيته “بعد أن يموت الملك” عن نوع من التأمل الفسلفي في قضايا الموت والحكم والحب والمستقبل .
ما يميز شعر صلاح عبد الصبور؟
داخل هذه المراحل الإبداعية ،يتقدم الشاعر دارسًا ومؤصلًا لتاريخ الفكر الإجتماعي في دراستيه «ماذا يبقى منهم للتاريخ» و«قصة الضمير المصري الحديث» فضلًا عن أن درساته النقدية الخالصة تقوم على تأصيل المنهج الإجتماعي في تقييم الفنون «حتى نقهر الموت»
أما عن «صلاح عبد الصبور» الناقد كما يقول«فاضل ثامر» أنه كان يكتب محاولًا تصحيح الرؤية النقدية حول شعره وانقاذه من سوء الفهم والقصد.فعندما أتهم بان لغته الشعرية تنحط إلى النثر والصحافة ،دافع عن مبدأ استخدام لغة الحياة اليوميةوطرح مجموعة من الآراء التى تلتقي ورأى “أليوت” حول توظيف لغة الحياة اليومية في الشعر.وعندما أتهم بأنه ينوء تحت كوابيس الحزن والقنوط،راح يدافع عن معاناة الشاعر وعذاباته الداخلية.
وعندما أتهم بالإسراف في النزعة الصوفية والميتافيزيقية،راح يؤكد على أهمية الرؤية الصوفية بالنسبة للرؤيا الشعرية الخلاقة وتماثلهما في بعض النواحي.
وعندما شرع بكتابة أولى مسرحياته الشعرية،راح يتحدث عن أهمية المسرح الشعري وضرورة بعث تقاليده الأدبية،وأعاد فحص تجربة شوقي المسرحية على هذا الأساس.
وبرغم ذلك لم يحاول «صلاح عبد الصبور» أن يطرح نفسه كناقد محترف أو كمشرّع او منظر ،رغم الإنتاج الغزيز النقدي والنثري الغزيز الذي كتبه.
وفي أول كتاب نقدي مهم صدرلــ«عبد الصبور» عام 1960وهو (أصوات العصر) تحدث فيهعن هذه الألفة التي تربط بين المبدع والقارىء ويتحدث عن حبه للمبدعين من الكتاب (من ذوي الأيدي الممدودة) الذين هم (ملح الأرض) ودعا القارىء إلى مائدته (المتواضعة) ليعرفه (بأصدقائه)
ولذا هو في أغلب ما كتب كان يمارس دور المقالي لا الناقد.لذا فان البحث عن جمالياته الكتابة النقدية عند صلاح عبد الصبوريجب أن يتجه نحو جماليات وأسرار المقالة الأدبية كنوع أدبي له سماه الفنية والتعبيرية الخاصة.
ولقد انتبه عدد من الباحثين والنقاد إلى بعض مظاهرهذا الموقف الوسطي في فكر صلاح عبد الصبورالنقدي. فالدكتورة «نبيلة إبراهيم» تشيرإلى تجسيد هذا الهم بالنسبة للأب العربي فتقول:«لقد كانت مشكلة التوفيق بين الأدب او الفكر العالي والأدب او الفكر العربي هى الشغل الشاغل لصلاح عبد الصبور»