حرص الرئيس جمال عبد الناصر على تثقيف نفسه ذاتيا طوال حياته، بالإضافة إلى حرصه على نشر الثقافة بين أفراد المجتمع المصري بمختلف فئاته ومستوياته الثقافية خلال فترة توليه السلطة. الدكتور عبد الله عزباوي، في كتاب “جمال عبد الناصر وعصره”، قال، أن اهتمامات “عبد الناصر” بالثقافة من بداية دراسته في المرحلة الثانوية في بداية الثلاثينات أثناء التحاقه بمدرسة النهضة الثانوية بحي الظاهر بالقاهرة التي التحق بها في عام 1933، وكان رئيس اتحاد الطلبة.
كتب قرأها جمال عبد الناصر في شبابه
استخدم الرئيس الراحل، مكتبة مسجد “الشعراني” التي كانت تضم العديد من كتب الدين والسيرة والتاريخ وقرأ معظمها فقد كان يقضي ساعات طويلة بالمسجد يقرأ من خلالها، كما استعار الكتب من بعض مدرسيه في مدرسة النهضة، وقرأ عن الثورة الفرنسية وروسو وفولتير الذي كتب عنه مقالة بعنوان “فولتير رجل الحرية” نشرها في مجلة المدرسة، كما قرأ عن نابليون والإسكندر ويوليوس قيصر وغاندي وقرأ رواية “البؤساء” لفيكتور هوجو، وقصة “مدينتين” لتشارلز ديكنز، كما أهتم بالأدب العربي فقد كان معجبا بأشعار أحمد شوقي وحافظ إبراهيم.
كما قرأ عن سيرة النبي محمد (عليه الصلاة والسلام) وأبطال الإسلام ومصطفى كامل وقرأ مسرحيات وروايات توفيق الحكيم وخاصة “عودة الروح” التي تتحدث عن ظهور زعيم للمصريين يستطيع أن يوحد صفوفهم ويحثهم على النضال في سبيل الحرية، كما قرأ العبقريات لعباس العقاد.
عندما التحق الرئيس الراحل بالكلية الحربية في مارس 1937، تعددت وتنوعت قراءاته فقد كانت مكتبها غنية، فقرأ عن سير العظماء مثل، نابليون والإسكندر وبسمارك ومصطفى كمال أتاتورك وتشرشل.
للبيع كتاب جمال عبد الناصر وعصره
تسعون عاما علي مولده pic.twitter.com/HzDUFw1m1f— مكتبة متفرقة (@motfrkaa) March 20, 2018
جمال عبد الناصر يطلب من وزير تلخيص الكتب
بعدما تولى السلطة، لم ينشغل عن تثقيف نفسه ذاتيًا، بل كان يطلب من أحمد الوزراء قراءة كتاب بعينه ثم يناقشه فيه بعدها، وقد بدت أثار مطالعته مع بعض وزرائه، حسبما ذكر فتحي رضوان، واقعتين، الأولى مع سيد مرعي وزير الإصلاح الزراعي، أشار إلى كتاب لكاتب غربي لخص بعض أفكاره لكن “عبد الناصر” اعترض على هذا التلخيص وقال “الكتاب يقول في كتابه نقيض ما تقول” فقال “مرعي” : “هذا ما فهمته أنا”، فرد “عبد الناصر” : ” لابد أنك قرأته بالمقلوب”.
أما الواقعة الثانية، فكانت، عندما احتدت المناقشة بين “عبد الناصر” وبين أحد وزراء الاقتصاد أثناء انعقاد مجلس الوزراء فقد شكى الوزير من الضغوط التضخمية على الاقتصاد المصري واقترح سياسة اقتصادية انكماشية، فرد “عبد الناصر” أن خصومك يقولون إنها تؤدي إلى التضخم وكنت أنت تنكر بشدة، فماذا حدث؟ فرد الوزير “كان ذلك من سنة”، فرد “عبد الناصر” : ” لا منذ سنة واحدة فقط ولكن لنقل من سنتين ما الذي تغير من سياستنا، السياسة هي والأرقام هي هي وربما الإنفاق الحكومي أصبح أقل، لا سأخبرك أنت ذهبت إلى المومس الفاضلة وشرح له ماذا يعني وقال له”، لقد قرأت كتاب لاقتصادي أمريكي كبير يقول فيه “أننا ننهي الدولة النامية عن أن تقوم بالتنمية مع التضخم، على أن أمريكا تعاني من تضخم رهيب وتواصل التوسع في اقتصادها، فكأننا كالمومس الفاضلة التي تمارس الرذيلة ثم تقف على باب دارها لتعظ الناس وتحذرهم من الرزيلة” وضحك الوزراء وخرج الوزير بعد قليل من الوزارة ويومها قال بعض الوزراء “إن ازدياد ثقافة الرئيس ليس من مصلحتنا”. حسب كتاب “72 شهرا مع عبد الناصر” لفتحي رضوان، 1986.
أدرك جمال عبد الناصر أهمية الكتاب وتأثير على الناس، فنحا إلى تكوين جيل جديد من المثقفين يؤثرون في الجماهير، عندما اشتكى لها فتحي رضوان، وزير الإرشاد القومي من قلة إقبال المصريين على شراء الكتب التي تصدرها الوزارة رغم أن أصحابها من كبار الكتاب وتباع بأرخص الأسعار ويعلن عنها في صحف، الجمهورية والأخبار والشعب، بالإضافة للمجلات والإذاعة، فرد “عبد الناصر” : “كتاب يقرؤه واحد ينفع، فالعبرة ليست بالكثرة، فرب فرد واحد يتأثر بالكتاب ويكون هذا الفرد بمثابة ألف شخص”.