بعد عرض فيلم “الكرنك” عام 1975، بطولة سعاد حسني، ونور الشريف، وكمال الشناوي، وفنانين كبار، قرر صلاح نصر مقاضاة صناع الفيلم لمنعه من العرض، ورفع دعوى أمام قاضي الأمور المستعجلة، وشفع طلبه بتعويض قدره 100 ألف جنيه.
نظرت القضية في جلسة أولى، 24 ديسمبر، وكانت الدعوي ضد الفنانة سعاد حسني بوصفها بطلة الفيلم، والروائي نجيب محفوظ، صاحب القصة التي حُول عنها الفيلم، والسيناريست ممدوح الليثي، بصفته صاحب المعالجة السينمائية والمنتج.
ذُكر في صحيفة الدعوى، أن بطل الرواية، خالد صفوان، ما هو إلا صلاح نصر نفسه في الواقع.
وارتكزت الدعوى، وطلب التعويض ومنع العرض، إلى أن مدير المخابرات السابق وقتها، مقدم لمحكمة الجنايات في عدة قضايا تعذيب، تنظر في نفس وقت عرض الفيلم.
صلاح نصر يطالب بوقف عرض فيلم سعاد حسني
والأساس القانوني الذي استندت عليه الدعوى، أن القانون يمنع التأثير على القضاء سواء بالنشر أو الدعاية أو العوامل النفسية أو المادية، وعرض الفيلم يصور تعذيب مراكز القوى لمجموعة من الطلبة، واغتصاب خطيبة واحد من بينهم، قد يكون له تأثيره على القضاء.
ونظرت محكمة الأمور المستعجلة الدعوى، برئاسة القاضي سيد مصطفى، واستمعت إلى مرافعات الدفاع والاتهام، ثم أجلت القضية إلى جلسة اليوم الرابع من عام 1976 لسماع شهادة الفنان أحمد مظهر، باعتباره شاهد إثبات.
وطلبت شهادة أحمد مظهر بناء على طلب الدكتور علي الرجال، محامي صلاح نصر، الذي قرر أحمد مظهر هو الذي أبلغ موكله اعتذاره عن تمثيل الدور، عندما علم أنه سيؤدي أمام الكاميرا دور صلاح نصر.
وحضرت مجلة “الشبكة” اللبنانية جلسات المرافعة.
وقف الكاتب والمحامي عباس الأسواني، يدافع عن موكله في الجلسة الأولى، وقال في مرافعته، أن صلاح نصر رغم تركه العمل في المخابرات، إلا أنه لا يزال يمارس هوايته في اتهام الأبرياء في قضايا، ولم يكن ينقصه إلا تعذيب الروائي نجيب محفوظ، والحصول منه على اعتراف بمسؤوليته.
وقال يوسف نديم، محامي “الليثي”، أنه عندما تسلم عريضة دعوى صلاح نصر، شعر بأنه قد تذكر الآن أن هناك قانونا وقضاء يلجأ إليهما، وهو الذي منع الأبرياء من الحصانة بهما.
براءة سعاد حسني من قضية صلاح نصر
كان من المفترض أن يؤدي الفنان أحمد زكي دور شخصية “الطبيب” التي جسدها الفنان نور الشريف.
وتوفيت والدة “الشريف” أثناء تصوير الفيلم، ورغم ذلك صوّر مشهد يبدو فيه سعيدًا أمام سعاد حسني، وهو يشتري لها خاتم الخطوبة، ضمن أحداث الفيلم.
أصدر، منير صايغ، رئيس محمة الأمور المستعجلة، بتاريخ 26 يناير 1976، حكمه، ونصه “بعد الاطلاع على الأوراق، ومن حيث أن وقائع هذه الدعوى قد سلف بيانها بالحكم الصادر فيها من هذه المحكمة بجلسة 5-1-1967، الذي قضى بإثبات ترك الخصومة بالنسبة للمدعي عليه الأول جمال الليثي، ورفض الدفع بعدم القبول لانتفاء المصلحة وبعدم اختصاص القضاء المستعجل ينظر طلب اثبات الحالة، وبالنسبة للطب الثاني والخاص بطلب المدعي وقف عرض فيلم الكرنك، بالانتقال لمشاهدة الفيلم موضوع النزاع في عرض خاص يحضره طرفا النزاع بصالة العروض الخاصة الخاضعة لإشراف الهيئة العامة للسينما والمسرح وتحديد 8-1-1967 للمشاهدة”.
استشهد صلاح نصر في دعواه أمام المحكمة، أن الفنان كمال الشناوي يقوم في الفيلم، المأخوذ عن قصة نجيب محفوظ، بدور صلاح نصر في عهد مراكز القوى، وبما يمثله ذلك كله من اعتاء على حرية المدعي وعلى حقوقه وما ينطوي عليه من تأثير على القضاء المطروح أمامه دعوى اتهامه بتعذيب الصحفي مطفي أمين.
شاهدت المحكمة الفيلم، وتبين لها، أنه يبدأ باستعراض انتصارات أكتوبر 1957، ويستعيد بطل الفيلم، طبيب حديث التخرج، أحداث الرواية، التي تربط بين اعتقالات وتعذيب المواطنين قبل نكسة 1967، وما بعدها، ثم ربط بين القضاء على مراكز القوى واطلاق الحريات وسيادة القانون، وبالتالي بث الطمأنينة في نفوس المصريين، وبين انتصارهم في حرب أكتوبر 1973.
ورفضت الدعوى التي أقامها صلاح نصر، على نجيب محفوظ مؤلف القصة، والمنتج والسيناريست ممدوح الليثي، ومصطفى أغا الذي انضم إلى الدعوى كمشاهد أفلام يتضرر من منع الفيلم.
وخلصت إلى أن الفيلم، لا يمس شخص صلاح نصر، صراحة أو تلميحا، وإنما يصور أحداثا عامة وأشخاصا مجردة بأسماء وهمية ليحكي بها تاريخا للبلاد في حقبة زمنية معينة، تاركا للمشاهد بخياله الخصب أن يبحث في تاريخ مصر إبان هذه الفترة الزمنية عمن يكون خالد صفوان؟ وعما يكون جهازه الذي أسرف في الاعتقال وداس على كل المقدسات.
وجاء في نص الحكم “الدعوى جاءت بغير سند من الواقع أو القانون ومن ثم يتعين الحكم برفضها”، وألزمت المدعي صلاح نصر بمصاريف الدعوى، وخمسمائة قرش مقابل أتعاب المحاماة.
وتبين من أوراق الدعوى، أن صلاح نصر لم يشاهد الفيلم، ورفع الدعوى بناء على خبر صحفي نشر بجريدة “الأخبار” في عددها الصادر يوم 21-10-1975، إذ ربط محرر صفحة “أخبار السينما” بين الدور الذي جسده الفنان كمال الشناوي وبين شخصية صلاح نصر في عهد مراكز القوى.