لم يُغفل بعض الفنانين الجانب الوطني طوال مسيرتهم. إذ أقدم بعضهم على المشاركة في الحروب المتعاقبة والأحداث السياسية العصيبة التي مرت بها مصر، بعضهم شارك بمجهوداته على الجبهة، وبعضهم قدم أمواله، وبعضهم خصص إيرادات حفلاته وأعماله الفنية لتدعيم الجيش المصري.
كواليس المواقف الوطنية لكبار الفنانين
إسماعيل ياسين
قدم إسماعيل ياسين مجموعة من الأفلام المصرية، لتحفيز الشباب على التطوع للجيش المصري ومنها “إسماعيل ياسين في الجيش، إسماعيل ياسين في الأسطول، إسماعيل ياسين في الطيران”.
وتلقى الفنان إسماعيل ياسين خطاب من جمال عبد الناصر بصفته رئيس للوزراء عام 1956، وذلك لمجهوداته الوطنية مع الجيش المصري. وجاء في نص الخطاب “تفضلتم فقدمتم مبلغ 2000 جنيه و750 مليم، مساهمة منكم في تسليح الجيش، لاستكمال وسائل الدفاع عن الوطن المفتدى، فتقبلوا خالص شكري على نبيل مشاعركم، وصادق وطنيتكم، رئيس مجلس الوزراء، جمال عبد الناصر”.
ساند الفنان إسماعيل ياسين ثورة يوليو 1952، ودعمها فنيا، حيث قدم مونولوج غنائي باسم “الجيش ونجيب ، عملوا الترتيب” في فيلم اللص الشريف عام 1953، وكانت الكلمات كالتالي:”عشرين مليون وزيادة كانوا عايشين هنا أموات، علشان حضرات السادة البهوات و الباشاوات، كان الفلاح اجري يا مشكاح لأجل اللي قاعد مرتاح، و أبو كرش كبير عامل بادكير في أوروبا فشر سواح، علي الكونكان و علي النسوان في دوفيل، و في كاناصرف كُع ما في الجيب يأتيك يا ابني ما في الغيب، وما بعد سعادته سعادة أصله وجيه و ابن ذوات، ووراه حضرات السادة البهوات و الباشاوات”.
أم كلثوم
رفعت أم كلثوم شعار “الفن من أجل المجهود الحربي” وقالت “لأن يقفل لي جفن وشعب مصر يشعر بالهزيمة”. يروي الكاتب سعيد الشحات في كتابه “أم كلثوم وحكام مصر” المواقف الوطنية لكوكب الشرق التي تضامن موقفها مع موقف الرئيس جمال عبد الناصر بعد أن رفع شعار “لا صوت يعلو فوق صوت المعركة” وشعار “ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة”.
وطافت أم كلثوم عواصم المحافظات المصرية، وعواصم الأقطار العربية، وراحت كل حصيلتها المالية للمجهود الحربي. في المنصورة حققت إيراد قدره 125 ألف جنيه، وفي دمنهور 135 ألف جنيه، وفي الإسكندرية 100 ألف، وفي طنطا 283 ألف جنيه.
وغنت خارج مصر في البلاد العربية والأوربية، في تونس استقبلها الحبيب بورقيبة، وفي المغرب أيضًا استقبلها العاهل المغربي الراحل الملك الحسن الثاني، وفي الخرطوم كل القيادات السودانية، وفي لبنان وليبيا وأبو ظبي والكويت وباريس. وحققت في حفلتها في فرنسا 212 ألف جنيه استرليني ذهبت جميعها للمجهود الحربي.
ونشرت مجلة آخر ساعة في عددها 21 نوفمبر عام 1973 عن دور الراحلة أم كلثوم في دعم الجيش المصري في نصر أكتوبر، حيث كانت تطوف الدول والمحافظات من أجل إحياء الحفلات ليذهب الإيرادات لصالح المجهود الحربي.
وأشارت “آخر ساعة” إلى أن أم كلثوم كانت تعاني من الأنفلونزا الحادة، وهو الأمر الذي منعها من المشاركة في الأناشيد الوطنية بعد نصر أكتوبر العظيم، لكنها ساهمت بـ 15 ألف جنيه، منهم 10 الالاف جنيه لصالح المجهود الحربي و5 الالاف لصالح الهلال الأحمر.
مطرب الثورة.. حليم
في مقاله بجريدة “العربي” 1995، وصف الكاتب الراحل محمود السعدني الفنان عبد الحليم حافظ بأنه “مطرب ثورة 23 يوليو وصوتها إلى العالم العربي كله ومن الخليج إلى المحيط”.
ولفت “السعدني” الدور الوطني والبعد التاريخي لـ”حليم”، وقال، إن المؤرخين الذين سيتعرضون لثورة 23 يوليو في المستقبل القريب أو البعيد، سيكون من أهم مراجعهم أغنيات عبد الحليم حافظ، الذي غنى لمصر أيام لعدوان الثلاثي، وغنى لمصر في نكسة 1967، وغنى لمصر في انتصار أكتوبر، وسجل بصوته أحداث تأميم القناة وبناء السد العالي وعملية بناء صناعة مصرية وطنية.
وخصص “حليم” إيرادات حفل أقامه في ألبرت هول بلندن من أجل تدعيم الجيش المصري، كما خصص إيرادات فيلم “أبي فوق الشجرة” للمجهود الحربي.
نادية لطفي
نشرت جريدة “الأهالي” عام 1982، بيانا للفنانة نادية لطفي تضامنت فيه مع الفنانة التشكيلية إنجي أفلاطون، برفض لقاء نظمه المركز الأمريكي بالقاهرة، وذلك لحضور ممثلاث المرأة الاسرائيلية. وجاء في نص البيان “إننا نرفض لقاء أي اسرائيلي أو أمريكي، لأننا لا نلتقي إلا بأخواننا الجرحى والمسنين والأطفال بالمستشفيات نتيجة العدوان الإسرائيلي، ونرفض الدعوة ليس لأنكم مسئولون عن قتل الأبرياء في لبنان فقط ولكن لأنكم أيضا مسئولون بالأساس عن تدمير الانسانية في العالم أجمع”.
وشاركت الفنانة نادية لطفي في حرب 1973 بدور وطني، حيث كانت تبدأ يومها بالذهاب إلى مستشفيات المعادي العسكري والقصر العيني لمساعدة الجرحى والتخفيف من معاناتهم، وكانت تكتب خطابات الجنود، وتوصلها للأسر والعائلات لتطمئنهم على ذويهم.
ويوثق الفيلم التسجيلي “جيوش الشمس” رحلتها من حدائق المستشفيات. كما ساهمت في جمع التبرعات من الشركات والمصانع، لتدعيم موقف الدولة.
شادية
شاركت الفنانة شادية الجنود المصابين في فترة الاستنزاف والنكسة وحتى بعد حرب أكتوبر وكانت تهدف للتخفيف عنهم ورفع روحهم المعنوية بطريقة دائمة، كما تبرعت ماديا من خلال تخصيص رصيدها من الأفلام السينمائية لصالح المجهود الحربي ودعم الجيش المصري.
تحية كاريوكا
في كتابه “مذكرات تحية كاريوكا” يؤكد الكاتب محمد توفيق أنه تم إغفال الجانب الوطني في حياة الفنانة تحية كاريوكا، خاصة أنها نشرت في مذكراتها التي نُشرت ف مجلة “الجيل” عن مجهودها الحربي رصدته يومًا بيوم.
ساهمت الفنانة تحية كاريوكا في حرب فلسطين عن طريق إخفاء أسلحة لمساعدة الفدائيين، وشاركت في قطار الرحمة لمساعدة المحتاجين والفقراء إثر ثورة 23 يوليو 1952. كما رفضت الرقص أمام “أتاتورك” لأنه أهان السفير المصري.
كانت الفنانة تحية كاريوكا من أبرز الفنانين الداعمين للجيش المصري بداية من ثورة 23 يوليو 1952 وحتى حرب العدوان الثلاثي والاستنزاف حتى تبرعت بجزء من مجوهراتها قبل حرب السادس من أكتوبر.
طالع أيضاً المزيد
اعترافات الإذاعي أحمد سعيد عن علاقته بجمال عبد الناصر والسادات