كتب- أدهم الضوي:
الملك ، أو القيثارة الذهبية، أو بوب مارلي الشرق، قل ما تشاء فهو الملك الذى لم يهتز عرشه طوال اكثر من أربعين عاما من النجاح والتفوق والتحليق منفردا في سماء الاغنية العربية .فلكل مغنى جمهور، إلا محمد منير له شعب يزحف خلفه في أي مكان على ارض النيل وخارجها ،بينه وبين شعبه حالة من الجنون والعشق والهذيان فهو من يتنفسهم وهم كذلك.
محمد منير المحرض العاشق
ربما لا تجدها في أي مطرب آخر، فهو الصوت المحرض العاشق لهذا الوطن، والحالم بكل حلم لكل انسان في هذا العالم يقدس الحرية كأنها روحه التى يهبها لشعبه وتخترق مسامهم وتمتزج مع دمائهم لتجعل منهم براكين تثور على الثوابت والواقع والكره والبغض ،يعرف كيف يسيطر على جمهوره ويقرأ ما تخبئه قلوبهم ويعي تماما ما تراه أعينهم، فهو دائما صادقا معهم لا يهوى ابدا إلى أتون التسفيه والتزييف فعلاقته بشعبه ذات علاقة خاصة علاقة روحية تكاد تكون منغلقة عليه وعلى جمهوره فقط ،لا يستطيع احد يقتحم هذه المملكة.
فهي المملكة المليئة، بالألغاز و التفسيرات الشاقة التى يصعب فهمها، فهو الفرعون الصغير الذى تربى وترعرع في بلاد الذهب بملامحه المصرية الاصيلة الصلبة كصخر الجرانيت كلما يأتي عليها الزمن تزداد شموخا وجسارة فهو الصافي كالنيل لا يترك مكانا الا وينشر في اروقته المحبة والسلام والخير
محمد منير هو الرقم الصعب في عالم الطرب، والعملة التي يزيدها الزمن قيمة كجوهرة تأبي أن يخفت بريقها، وإنما يزداد لمعانا وأصالة وعذوبة، وربما يكون هو الحالة الغنائية الوحيدة التى يقف عندها الجميع احتراما وتقديرا لما قدمت من ابداع وفن راقي فمنير يظل ويبقى هو ذلك المغني العاشق للوطن، والثائر الذي صنع لنفسه حالة ومدرسة وطريقة في الحب والطرب، ربما تكون غير مسبوقة أو قابلة للتكرار، وهو الصوت الجنوبي الدافق.. المحتدم.. الناعم.. المحتل لكل أذن يمكن أن تقذف بها الأقدار في طريقه.. حنجرة عرفت كيف تختار لنفسها ما يخلدها فنا وتاريخا في كلمات لا تعرف إلا مزج العشق والوطن في عطر أسطوري.
محمد منير حدوتة مصرية
محمد منير هو الحالة المتفردة التى يصعب تكرارها كما يصعب مقارنتها، بمجرد سماع صوته تحضر الهوية المصرية، حتى وإن غرد خارج السرب، فهو “صوت النيل” الذي لا تهدأ تياراته، فهو دائما من يغنى بعمق المفكرين وابداع المثقفين وفطرة البسطاء ،فهو الجوهرة السوداء التي لا يبهت بريقها، هو الثائر والوطني والعاشق المُحب لكل بقعة من بقاع هذا للوطن
فمنير الذى يعي تماما معنى الكلمة وتأثيرها في نفوس البشر ،فمنير ارتبط ارتباطً وثيقا بشعراء الصف الأول من شعراء العامية المصرية، أمثال عبد الرحمن الأبنودي، وفؤاد حداد ،وعبد الرحيم منصور ،واحمد فواد نجم ،وصلاح جاهين واحمد منيب، وكوثر مصطفى وغيرهم فكانت قواميسهم المغايرة الخالية من النبرة الرومانتيكية التي سادت منذ أواخر القرن التاسع عشر، فحدث تزاوج وتجاذب بين الكلمة وموسيقاه الجاز الممزوجة بالسلم الخماسي فهو اول من وضع نوع موسيقى خاص له منفصل تماما عن الطرب الكلاسيكي ليدعم أركان دولته العالية الأسوار والممتدة بطول أجيال وأجيال.
وهو أيضا نموذج للوحدة الموضوعية والحالة الشعورية الممتدة كأي مدرسة في الشعر أو القصة؛ حيث يغلب عليه الطابع الرومانسي المشغول بوطنية متدفقة واغتراب حزين مغلف بترحال يسكن جنباته، وثورة شامخة تسكن حنجرته واختيار كلماته وألحانه، فكلماته بسيطة ذات معان عميقة ونابعة من معاناة الكادحين والبسطاء، وهو دائما يبث رسائل أمل وحياة ويهدي قلبه لجمهوره داعيا إياهم إلى التشبث بالأمل والأحلام التى ستتحقق يوما ما
غنى محمد منير لكل شيء للإنسان والوطن والحلم والنيل و الحارة والقرية والبحر لم يترك شيء الا وغنى له فمهما تمر الأيام والسنين سيظل منير هو الحالة الفريدة من نوعها التى لم ولن تتكرر عبر كل العصور وسيبقى هو الحدوتة المصرية التى لن تنتهى ابدا