“في الساعات الأولى من ليلة الجمعة، قبل الإعدام، اصطف بعض الضباط الأمريكان، منهم قائد المعتقل، وقاموا بتوديع الرئيس صدام حسين الذي طالب بتوديع أخويه برزان وسبعاوي، وتمضي الساعات، ويقضى الرئيس ليلته كالعادة على سريره، بعد صلاة العشاء يقرأ القرآن، بعد أن أبلغه الضابط الأمريكي قائد المعتقل بأن موعد الإعدام سيكون فجرًا”.
روى خليل الدليمي رئيس هيئة الإسناد للدفاع عن الرئيس صدام حسين، في كتابه “صدام حسين من الزنزانة الأمريكية: هذا ما حدث”، الساعات الأخيرة التي قضاها الرئيس العراقي في حياته.
بعدما أبلغوا “صدام” بموعد إعدامه، بدأ الحراس الأمريكان في مراقبته خوفًا من أن ينهي حياته بيده، وفي الرابعة فجرا قدم إلى غرفته، قائد المعتقل، وأبلغه أنهم سيسلمونه للعراقيين، وسأله عما يريد.
توضأ صدام حسين وأمسك المصحف وقرأ ما مكنه الوقت به، ثم طلب أن يستلم محاميه حاجاته الشخصية، على أن ينقولها لابنته رغد، وأبلغهم بأن يخبروها بأنه سيلتقيها في الجنة.
ذكر “الدليمي” في كتابه، أن صدام حسين ارتدى بذلته الرمادية مع قميصه الأبيض ومعطفه الأسود، ووضع صداري بغدادية على رأسه، وارتدى سترته الواقية التي اعتاد أن يرتديها طوال فترة جلسات المحاكمة.
نقل الرئيس
صعد الرئيس صدام حسين رفقة الحراسة من الجنود الأمريكان في عربة مخصصة لنقله، كانت عبارة عن مدرعة موشحة برمز الصليب الأحمر الدولي، ونقل إلى طائرة البلاك هوك الأمريكية، وطلب منهم ألا يضعوا على عينيه غمامة، كان يريد أن يلقي نظرة أخيرة على بغداد.
هبطت الطائرة في معسكر أمريكي داخل منظومة الاستخبارات العسكرية التي تقع على جانب نهر دجلة الغربي بمطقة الكاظمية، وكانت هذه المنطقة قد قسمت بعد دخول الأمريكان للعراق إلى ثلاث مناطق، معسكر أمريكي ومنطقة لقوات حفظ النظام، ومنطقة أخرى تتبع دائرة الحماية القصوى التابعة لوزارة العدل في حكومة الاحتلال.
غطى الجنود عيون صدام حسين بعدما نزل من الطائرة، وضعوا عليها نظارة داكنة تستخدم في نقل الأسرى، وأحاطوه بعدد من رجال الشرطة العسكرية الأمريكان، وأدخل إلى دائرة الحماية القصوى، وعادوا إلى أماكنهم.
دخل الرئيس العراقي القسم المخصص لتنفيذ الإعدام، وكان ذلك في الخامسة والنصف فجرا، يقول “الدليمي” :” حينما دخل الرئيس شاهد أقفاصا حديدية بها رجال عراقيين، والعرب والمقاومين الصادر في حقهم أحكام الاغتيال”.
كان المحامي منير حداد في انتظار “صدام”، الذي سبق وأن أقسم أنه لن يتأثر قرار بأي مغريات “أنا أقيم في دولة خليجية ولن يؤثر أحد على قراري”، لكن في إحدى الجلسات، قال “كفي يا صدام تتكلم بالسياسة، لقد تكلمت خمس وثلاثين سنة وشبعنا من هذا الكلام، والآن أنت متهم بجرائم حرب”.
طلب “حداد” من “صدام” أن يجلس على الكرسي المخصص، وقرأ عليه قرار حكم الاغتيال، الذي وقع عليه نوري المالكي دون مصادقة مجلس الرئاسة كما حدد قانون المحكمة المهزلة ذاتها حسبما يصفه “الدليمي”.
توثيق اللحظة الأخيرة
يؤكد “الدليمي” أن المصور المالكي على المسعدي سجل لقطات صور صدام حسين إلى لحظة الإعدام، إذ أوثقت يديه واستبدلت السلسلة التي كانت تتدلى بين قدميه بأوصاد أخرى خاصة بحالات الإعدام، وطلب الرئيس العراقي من المدعي العام تسليم المصحف الخاص به إلى المحامي بدر البندر ليسلمه إلى عائلته.
وضع رياض النوري صهر مقتدي الصدر حبل المشنقة حول عنق “صدام” لينفذ الإعدام، قال “الدليمي” : ” وضعوا الحبل حول عنق الرئيس، وكان مقتدي الصدر يقف على الجانب الأيمن منه، بعد أن ارتدى قناعا ليخفي هويته، واشترط على المالكي أن ينفذ بنفسه عملية الإعدام”.
الكيس الأسود
رفض “صدام” أن يضع الكيس الأسود على رأسه، وضعوه تحت عنقه، يؤكد “الدليمي” أنه صنع بطريقة مخالفة للقانون من حيث الطول ونوعيته وكذلك الدركة. وكان طول الحبل 39 عقدة وهو عدد الصواريخ التي أطلقها العراق على تل أبيب عام 1991.
نطق الرئيس العراقي الشهادة كاملة، ولم يُترك ليرددها ثانية، وهوى الجسد وصعدت الروح لبارئها، ليفارق الحياة.