وجه آخر لا نعرفه عن الأبنودي ونجيب محفوظ وتوفيق الحكيم وجمال الغيطاني
الإبداع طبيخ بالدرجة الأولى
توفيق الحكيم قال لي : “روحي اولدي وتعالي”.. وفتحي غانم وافق على اجراء حوار معي كرامة لاسمي.. وإحسان عبدالقدوس: كل فتاة تصلح أن تكون رواية
الأبنودي أكل دماغي بكلمة.. والغيطاني كان بيترجم كتبه بالعلاقات الشخصية
لم يلفت انتباهي وجود مبدعين شبان يستحقون إجراء حوارات معهم
الصحافة تغذي الادب بالتجربة.. والأدب يُجمّل لغة الصحافة
بعدما انهت وضع اللمسات الأخيرة لصفحة الثقافة الأسبوعية التي تعدها لاخبار اليوم، اصطحبتني لمكتبها الذي لا تخلو جدرانه من بورتريهات كبار المثقفين، أمثال صنع الله ابراهيم، ونجيب محفوظ، وابراهيم اصلان، وصلاح جاهين، وغيرهم. وقبل ان نبدأ حوارنا سألتها عن حكاياتها مع أصحاب البورتريهات، فعادت وكأنها بنت العشرين، لتحكي عن أول قفشة قابلها بها توفيق الحكيم، ولمسة الأبوة التي وجدتها عند نجيب محفوظ، ورقة صنع الله إبراهيم في إهداء مؤلفاته لها.
* قلت: جمعتي حواراتك مع كبار الأدباء في كتابين؛ هما «هؤلاء يعترفون» و«موعد مع الورق»، فماذا عن كواليس التي تمت فيها تلك الحوارات؟
واجهتني بعض المواقف، فمثلا عندما ذهبت لأجرى حواري مع الأديب الراحل توفيق الحكيم في مكتبه حيث كان يشغل رئيس مجلس الآداب والفنون، وكنت وقتها حامل في الشهر الثامن، فدخلت المكتب ولما رآني قال: “مين دي؟.. قولتله: انا صحفية من أخبار اليوم وجايه اعمل معاك حوار؟ فقالي: روحي الأول اولدي وبعدين تعالي، فحزنت وبكيت.
لكن الاديب مجيد طوبيا كان موجود بجواره فاقترح عليه ان يجلس معي وينظر في طلبي، فوافق “الحكيم”، لكنه قال لي: فزوجتي وابنى توفيا،و أنا معنديش حاجه أقولها، ولا موضوع أو افكار اتكلم فيها. فقولت له: يعني لو جاتلك فكرة مش هتكتبها؟ فقالي: لأ فقولت له: يبقى انت قاتل، فنظر لي بتعجب وقالي يعني ايه؟ فقولت له: الفكرة كائن حي، وحينما تخطر على بال المبدع، لابد أن يكتبها، وإذا لم بكتبها فهو قتلها. وبعدها طلب مني الجلوس وبدأ الحوار. واذكر انه حديثه عن مسرح اللامعقول هو نفس الكلام الذي يعاد إلى الآن عن أزمة المسرح.
وجه آخر لا نعرفه عن الأبنودي ونجيب محفوظ وتوفيق الحكيم وجمال الغيطاني
* وماذا عن نجيب محفوظ واحسان عبد القدوس وفتحي غانم والابنودي؟
بعد حصول نجيب محفوظ على جائزة نوبل، ذهبت على الفور لأجري معه حوار، فقابلني بحفاوة وحب شديدين، وتعامل معي كأنه والدي أو أحد اقاربي، فكان يتمتع بحنان وطيبة فائضة للجميع، واستقبل أسئلتي بعبارة “انت كريمة القلب”، وكانت آرائه عن الشباب هي نفس الآراء التي نتناولها الآن.
وعندما سألت احسان عبد القدوس: هل أحببت وقابلت كل البطلات اللاتي تحدثت عنهن في رواياتك؟ فرد: كل شخص فينا يصلح لأن يكون قصة أو رواية، فمثلا انت بنت عادية ولا تثيري الانتباه، لكنك تصلحين بأن تكوني قصة. فحزنت لانه وصفني بأن بنت عادية، وبعد فترة كبيرة أدركت المعني العميق الذي كان يقصده.
وبخصوص الأديب فتحي غانم، وكان لا يقبل إجراء حوارات صحفية، لكنه حينما علم أن إسمي “زينب” قال لي: سأجري معك الحوار، كرامة لاسمك “زينب”؛ وكانت رواية «زينب والعرش» قد صدرت حديثا، واذكر انه قال لي: انا كاتب كسول جدًا، اكتب اعمالي في اللحظات الاخيرة.
أما عن الأبنودي، فاتصل بي، وطلب منى لقاءه، وعرفت منه أنه يتابع أعمالي سواء الصحفية أو الأدبية، فذهبت على الفور لقرية الضبعة بالاسماعيلية وقد استقبلني بحفاوة وترحاب شديدين، وأجريت معه الحوار، وبعدما عدت للقاهرة اتصل بي مرة أخرى وقال لي: “ريحتك لسه في المكان”، فسعدت جدًا وقالت ضاحكة ” أكل دماغي بالكلمة”، ويومها كتبت موضوعًا قويًا جراء سعادتي بهذه الجملة.
وجه آخر لا نعرفه عن الأبنودي ونجيب محفوظ وتوفيق الحكيم وجمال الغيطاني
* وماذا عن غرائب وطرائف صفحة “كتب وأدب” التي تحررينها؟
طبعا هناك غرائب وطرائف، لكن قبل كل ذلك أعمل بجهد كبير طوال الأسبوع، فالصفحة تتطلب مني قراءة وتصفح العديد من الكتب، وفي النهاية اكتب عما يروق لي ويعجبني، فالسرد والكتابة الجميلة موجودان دائمًا، اما الفارق فهو الرؤية والفكرة الجديدة، وأحيانًا كثيرة أكتب عن اشخاص لا أعرفهم، أو التقيت بهم مطلقًا.
ويندهشون من المساحة التي نُشرت عن أعمالهم في أخبار اليوم، وفي احيان أخرى، وتلك من الغرائب، يلومني بعض الكتاب والأدباء الكبار، لأني لم اكتب عن اعمالهم، فاضطر الى الرد بمجاملة لطيفة؛ فأنا في الإبداع والكتابة عندي نقطة الصدى الشخصي، فلا أكتب ما لا أحسه، ورغم أنني لم أدرس النقد، لكن اكتب النقد الانطباعي، ولا اكتب الا ما اقتنع به.
* وماذا عن الأدباء الشبان؟
أجريت مع بعضهم حوارات، خصوصا من ذاع صيتهم مثل أحمد مراد، ومحمد صادق، واعجبت جدًا بشخصية “مراد” فهو لطيف ومهذب للغاية، واحسست اني اجرى حوارًا مع ابني؛ لكني لم اجر حوارات كافية؛ إذ لم يلفت انتباهي وجود أدباء شباب يحفزني أبداعهم على إجراء حوارات.
ولك انت تعرف، انى عندما فكرت فى اجراء الحوارات مع الشباب، كان بقصد التعرف على افكارهم، واسلوبهم، وحياتهم، ومناقشتهم وليس بقصد الهجوم عليهم، فهم ابناء عصرهم وتجاربهم.
* هل تقتل الصحافة الإبداع الأدبي؟
لابد ان نعترف بأن الصحافة لا تحب الشريك، فعندما أعمل على صفحتي الاسبوعية، وانشغل في نفس الوقت بكتابة رواية، يكون العمل قاتل بالنسبة لي، فأفضل الاقلال مع العمل في الصحافة، واعود بعد الانتهاء من الرواية او العمل الادبي، لكن الصحافة تغذي الادب، والادب يجمّل الصحافة.
فالأديب الصحفي قادر على كتابة موضوع بلغة وروح ورونق، عكس الصحفي صاحب اللغة الجافة، اما الصحافة فهي تغذي الادب بالتجربة، فلا تستطيع مثلا ان تكتب رواية عن اسرة فقيرة الا بعد المرو بنفس ظروفها، رغم انه هناك بعض الادباء يكتبون من خيالهم، لكن افضل معايشة نفس ظروف تلك الاسرة، فأحب العمل الادبي النابع من التجربة.
* كيف تكونت مكتبة «زينب عفيفي»؟
كان أخي قارئا ممتازا، ولديه مكتبة مكدسة بكتب الأدب الروسي، بالاضافة الى كتب سلامة موسى، والطبعات القديمة لنجيب محفوظ، وكتب سلسلة الشعب التي كان تنشر ألف ليلة وليلة، وكليله ودمنة، فضلًا عن كتب زكي نجيب محمود الذي عرفت منه لأول مرة مصطلح “تجديد العقل العربي” ونحن الآن نتحدث عن تجديدي الخطاب الديني والثقافي.
كنت اقرأ روايات احسان عبد القدوس في السر، لأن والدي كان له طباع صعبة، ويمنع دخول روايات “عبد القدوس” البيت، وكان اخوتي البنات يقرأن تلك الروايات بغرام، بالتهريب دون علم والدي، واذكر انني قرأت رواية “لا أنام” تحت السرير.
المهم أن سرقة مكتبة أخي كان هو أول شىء فعلته بعد زواجي.
أما الآن فقد وصلت مكتبتي لما يزيد عن عشرين ألف كتاب، وكتبت مقالًا قبل ذلك بعنوان “الكتب بتجري ورايا في البيت” ففي كل مكان ستجد كتابًا، ولدي مكتبة خاصة عن الطبيخ في مطبخ بيتي؛ فهذه الكتب تعطيني فكرة، وبكل تأكيد المطبخ نفسه فكرة.
* نفهم من ذلك أن هناك علاقة بين الإبداع والطبيخ؟
طبعًا.. بكل تأكيد، توجد علاثة وثيقة، فالطبيخ نفس والإبداع ايضًا نفس، فنكهة الكتابة هي نكهة الاكل، فهناك كتابة باردة ودمها ثقيل، رغم انها لغتها سليمة، لكن “ماتنزلكش من زور”، وأيضًا الطاقة الايجابية التي نكتب بها اذا لم تتوافر في الطبخ فيكون طعمه سىء.
فالابداع طبيخ بالدرجة الاولى، فلو قلنا الابداع فيه حيال، فالطبيخ ايضًا فيه خيال، فاذا اعددت الطعام لاولادي بدون حب لا يستطيعون تذوقه ، على هذا الحال بالنسبة للكتابة، فإذا لم اكتب بحب وطاقة ايجابية ستكون الكتابة باردة بالنسبة للقارىء.
* ما هو الدافع وراء كتابات زينب عفيفي؟
الحزن، هو الدافع الرئيسي وراء كتاباتي، سواء كان نتيجة علاقة انسانية فشلت فيها، او هم في البلد، اى شىء يوصلني لحالة الحزن يدفعني للكتابة، فإذا لم اكتب وانا في هذه الحالة أمرض، احياناً اصاب بالصداع وبعض الامراض، وبعد انتهائي من حالة الكتاب، اتسائل : من التي كانت تكتب منذ دقائق ؟ واجدني في حالة غريبة.
فالكتابة الاولى كانت بمثابة تمارين، وتجربة، رغم انها حققت نجاح واعجبت النقاد، لكن ما زلت اراها مجرد تمارين على الكتابة، واذكر ان يوسف فرانسيس الفنان الكبير هو الذي رسم لي الرسومات الداخلية لبعض اعمالي، فمثلا كتاب ” اليك وحدك” هو الذي رسم لى الرسومات الداخلية في الكتاب ، فلو كان الكتابة ضعيفة فالرسومات تعطيها قيمة كبيرة.
أما الكتاب الثاني “عفوًا لانني أحببتك” كان يتناول تجربة كاتبة مغمورة يسرق افكارها اديب كبير، ويبرر تلك السرقة، وفي النهاية تتسائل البنت عن اين نذهب عندما يسرق البعض افكارنا، فنحن نذهب للشرطة في حالة سرقة متعلقاتنا ، فأين نذهب عندما تُسرق افكارنا؟
وكان “فرانسيس” قد رسم غلاف ، عبارة عن بنت جزينة وعلى رأسها تفاحة مقطوع منها جزء، فارسلها لي اثناء وجوده كمستشار ثقافي في فرنسا، فسألني عن رأي : فقولت له : ان البنت جزينة جدًا فلفت انتباهي الى الجزء الناقص من التفاحة وهو الذي كان يعبر عن سرقة الافكار. واذكر ايضًا انني عندما سافرت الى اخبرني ان هناك فيلمًا يُعرض بعن نفس فكرة كتابي وهو قصة النحاته الفرنسية المشهورة ” كامي كالوديل” التي سرق افكارها احد النحاتين الكبار.
* ما الذي يحتاجه الوضع الثقافي في مصر الآن؟
لابد من وجود مشروع ثقافي قومي نلتف حوله، وان يصل الكتاب إلى كل انحاء وربوع وقرى مصر، وان يتم تطوير او تدعيم مشروع مكتبة الاسرة، وان تعود المكتبة المدرسية إلى سابق عهدها، فكل مكتبات المدارس، تحولت لمخازن. وان يعود “المدرس” لسابق عهده، وذلك بإعادة تأهيلة.
وجه آخر لا نعرفه عن الأبنودي ونجيب محفوظ وتوفيق الحكيم وجمال الغيطاني
* لماذا لم يحصل أى أديب عربي على الجائزة بعد نجيب محفوظ؟
هذا سؤال بالغ الأهمية في هذا التوقيت، وسبب عدم حصول اى اديب مصري او عربي على نوبل، هو “الترجمة”، فكيف تقرأ لجنة تحكيم نوبل الأعمال الادبية العربية وهي غير مترجمة للغات أخرى؟ فنجيب محفوظ تُرجمت له الثلاثية قبل ان يحصل على نوبل، دون ان يسعى هو لترجمة أعماله، عكس نجيب الغيطاني مثلا الذي تُرجمت أعماله بالعلاقات الشخصية نظرًا لعلاقاته القوية بالمؤسسات الثقافية الفرنسية والمترجمين.
فلابد من وجود لجنة تختار كل الأعمال الجيدة، ويتم اختيار مترجم مستشرق بحيث يجيد ترجمة تلك الأعمال من خلال حمله الثقافي، واود ان اشير الى انه ليست كل الاعمال التي تُترجم للخارج جيدة.
وجه آخر لا نعرفه عن الأبنودي ونجيب محفوظ وتوفيق الحكيم وجمال الغيطاني
حوار الأبنودي في برنامج خليك بالبيت
نجيب محفوظ يدافع عن أولاد حارتنا
توفيق الحكيم يكشف أسراره مع زوجته