ما هي قصة جلال الدين الرومي؟….استبد الخوف بأهل قونية في الأيام الأولى من جمادى الآخرة سنة 672هـ/ النصف الأول بأهل قونية في الأيام الأولى من جمادى الآخرة سنة 672هـ/النصف الأول من ديسمبر سنة 1273م . وعلى امتداد أيام و أيام، ظلت الأرض تهتز و ترتجف و كان مولانا جلال الدين الرومي يشعر بالضعف و الإنهاك . و أخيراً أعلن : ” الأرض جائعة . و على نحو سريع، ستأخذ لقمة دسمة ثم تهدأ ” تضاعف مرضه لكنه عزى أصدقاءه الذين أحاطوا به ببعض الأشعار :
العشاق الذين يموتون عارفين،
يموتون أمام المعشوق كالسُّكر”1″
يذوبون تدريجياً في الحلاوة الأبدية للحق سبحانه . ثم :
أيتها الطيور التي الآن بعيدة عن قفصك،
اكشفي مرة أخرى عن وجهك وقولى : أين أنت ؟
يا أيها الذين ولدتم عندما وصلتم إلى الموت –
هذه ولادة ثانية – اولدوا، اولدوا!”2″
ما هي قصة جلال الدين الرومي؟
ما هي قصة جلال الدين الرومي؟
وفي يوم الأحد الخامس من جمادى الاخرة سنة 672هـ / السابع عشر من ديسمبر عند الغروب، و دع جلال الدين الدنيا، ليلتحق بشمس الأزل، لكن شعاعه ظل وراءه، لم يتلاش على امتداد سبعة قرون .
كيف عرضت هذه الحياة نفسها في عالم الزمان ؟
ولد جلال الدين في بلخ، و هي الآن في أفغانستان . و التاريخ المقبول على نحو تقريبي هو السادس من ربيع الأول سنة 604هـ/الثلاثون من سبتمبر، سنة 1207م، رغم أن اشاره في عمله النثري ” فيه ما فيه ” يمكن أن تشير إلى تاريخ أسبق، ذلك أن يذكر حصار خوارز مشاه لسمرقند “604هـ/1207م” و يتكلم عليه كأنه شاهد عيان .”1″
و لعل تاريخاً أبكر يتفق على نحو أفضل أيضاً مع عصر أبيه . كان أبوه “الذي ولد سنة 542هـ/1148م تقريباً أو بعد ذلك بقليل ” متكلماً إلهيا مشهوراً وهو محمد بن الحسين بهاء الدين ولد، الملقب ب ” سلطان العلماء ” . و تبعاً لابنه الأكبر، فإن الرسول “عليه الصلاة و السلام” هو الذي منحه هذا اللقب في المنام الذي رآه علماء بلخ جميعاً في الليلة نفسها .
كان بهاء الدين صوفياً، و تبعاً لبعض المصادر فإنه ينتمي روحيا إلى مدرسة أحمد الغزالي “ت520هـ/1126م”. أما إلى أي مدى أثر فيه التصوف العشقي الرقيق كما وصفه الشيخ أحمد في كتابه السوانح ثم من خلاله في التشكيل الروحي لابنه، فأمر يصعب البت فيه حتى الآن . وإذا صحت ملاحظة الأفلاكي بشأن حكم بهاء الدين ولد على ” النظر إلى الغلمان الحسان ” بأنه” زنا روحي ” “1” فسيكون من الصعب اعتقاد نسبته إلى مدرسة الغزالي في التصوف العشقي و يميل المرء إلى ترجيح صلات حميمة له بنجم الدين كبرى مؤسس الطريقة الكبروية .
ما هي قصة جلال الدين الرومي؟
و تذهب بعض الآراء إلى أن أسرة بهاء الدين ولد من جهة أبيه قد انحدرت من “سيدنا” أبي بكر، الخليفة الأول في الإسلام . وهذا قد يكون صحيحاً وربما لا يكون كذلك، إذ لا شيء محدداً معروف عن الخليفة العرقية للأسرة و قد قيل أيضاً إن زوج بهاء الدين تنتسب إلى بيت الخوارز مشاهية الذين أرسوا دعائم ملكهم في المناطق الشرقية حوالي سنة 472هـ/1080م، لكن هذه الحكاية يمكن أن ترد بوصفها تلفيقا من المتأخرين .
انتزع الخوارزمشاه مسقط رأس جلال الدين سنة 602هـ/1206م من أيدى الغوريين و قد أشار الرومي نفسه في شعره إلى سفك الدماء في الحروب التي نشبت بين الخوارزميين و الغوريين عندما حاول أن يصف كيف أغرقه الهجران في الدماء …”2″
في ذلك الوقت، كانت بلخ ما تزال واحداً من مراكز الثقافة الإسلامية و قد لعبت المدينة القديمة دوراً مهما إبان المرحلة التشكيلية للتصوف الشرقي و هي موطن كثير من علماء الإسلام في القرون الهجرية الأولى . و لأنها كانت قبل مركزاً للبوذية فإن أهلها – أو جوها – يمكن أن يكونوا متأملين لبعض الفكر البوذية التي انعكست في التفكير الصوفي المبكر : ألم يكن إبراهيم بن أدهم ” أمير الر الروحي ” مواطناً كريم المحتد من بلخ و قد قص تحوله بلغة أسطورة بوذا؟
و في زمان طفولة جلال الدين كان أحد العلماء البارزين في المدينة فخر الدين الرازي، الفيلسوف و مفسر القرآن الكريم الذي حظي بمنزلة عظيمة لدى محمد خوارز مشاه . و يقال إنه أثار الحاكم على الصوفية و كان السبب في إغراق الصوفي مجد الدين البغدادي في نهر سيحون Oxus “616هـ/1219م”. و بهاء الدين ولد أيضاً لم يكن فيما يبدو على وفاق معه.
كما ثبت كتاباته : فإن هذا المتكلم الإلهي الورع ذا العقل الصوفي الذي ” غدت شخصيته المباركة على قدر من الصرامة و ممتلئة بالورع و الخشية بسبب ضخامة تجليات الجلال الإلهي ” “1”أضمر بغضاً شديداً للفلسفة و التناول العقلي للدين، و هذا الموقف الذي اجلى واضحاً في شعر سنائي قبل قرن ورثه جلال الدين أيضاً، و قواه أيضاً صديقه شمس الدين الذي أطلق على الرازي لقب ” الملحد الأحمر ” “2”و بعد وفاة الرازي بنصف قرن لم يكن في مقدور جلال الدين الرومي إلا أن يقول في المثنوي .
ما هي قصة جلال الدين الرومي؟
إن كان العقل أن يستبين “الصراط المستقيم” في هذا البحث فسيكون فخر الرازي صاحب أسرار الدين .”3″
و مهما يكن فإن علينا أن نستبعد تلك الحكايات التي تعزو هجرة بهاء الدين ولد بلخ إلى النفوذ المتزايدة لفخر الدين، ذاك أن الفيلسوف توفي سنة 606هـ/1210م، بينما لم يغادر بهاء الدين و أسرته بلخ إلا في سنة 616 أو 617هـ / 1218، أو 1219م تقريباً .
و في ذلك التاريخ ينبغي أن يكون قد اتضح تهديد المغول الآتي من آسيا الوسطى . وقد لعب الخوارزمشاه نفسه، بقتل بعض تجار المغول دوراً حاسماً في المأساة التي قدر لها أن تتطور في السنوات اللاحقة في منطقة الشرقين الأدنى و الأوسط كلها . و أيا كان مبعث هجرة بهاء الدين إلى بلد غير بلده، فإنه هو نفسه و أسرته و مريديه “يتحدث سبهسالار عن 300 شخص !” “1”كانوا بعيدين عن وطنهم عندما اجتاحه المغول . و لم يبقى من بلخ سوى خرائب في سنة 617هـ/1220م، و قد قتل آلاف الخلق .
عندما تكون في بلخ تقدم نحو بغداد يا أبي،
و هكذا ستكون في كل لحظة قد ابتعدت عن مرو وهراة …..”2″
ما هي قصة جلال الدين الرومي؟
وقد مر الطريق بالعائلة في خراسان و تقول الحكاية إنهم زاروا فريد الدين العطار في نيسابور و إن الشاعر الصوفي الذي تقدمت به السن و قد أدرك قابليات جلال الدين الرومي الفتى و قدراته، أهداه نسخة من كتابه ” أسرار نامه “. و بعدئذ أدت الأسرة فريضة الحج في مكة وربما مكثت مدة في سورية التي هي أيضا واحد من مراكز الحضارة الإسلامية .
على أن المعلومات عن طول هذه الرحلة و البقاء في أمكنة مختلفة متناقضة و يبدو مرجحاً أكثر أن جلال الدين مكث مدة في دمشق قاعدة الثقافة وربما في حلب أيضا، لأنه يذكر أنه درس على المؤرخ الشهير كمال الدين بن العديم مؤرخ حلب . و في إحدى قصص المثنوي يومئ إلى ذلك الطريق الذي فيه احتفل بعاشوراء عند باب أنطاكية في حلب “1”– فمنذ حكم الحمدانيين في القرن الرابع الهجري “10م” رسخ المذهب الشيعي جزئياً على الأقل في الحاضرة السورية الشمالية .
و في السنوات التي أعقبت سنة 617هـ/ منتصف عشرينيات القرن الثالث عشر الميلادي وصل بهاء الدين ولد وأسرته إلى أواسط الأناضول الروم- و من هنا جاء تلقيب جلال الدين ب “الرومي” . و قد مكثوا مده في لارندة، و هي المعروفة الآن ب ” قرمان” . و ههنا، توفيت والده جلال الدين : و المسجد الصغير المبني تكريماً لها لا يزال الناس يزورونه . و العالم الفتى نفسه تزوج من جوهر خاتون و هي فتاة من سمرقند.
و قد ولد ابنه سلطان ولد في لارندة سنة 623هـ/1226م . أما ميلاد ابنه الآخر علاء الدين، فتجعله بعض المصادر قبل ميلاد سلطان ولد، و نظل في حاجة إلى المعلومات الدقيقة . كان سلطان ولد الابن المؤثر لدى الرومي، و قدر له أن يغدو الشارح و كاتب السيرة الأكثر إخلاصاً لوالده، ثم بعد تقدمه في السن الخليفة الثاني له، وهو اخيراً الذي أعطى الصورة الأخيرة الرسمية للطريقة المولوية .
تقع قرمان على مسافة مئة كيلو متر تقريباً جنوب شرق قونية، عاصمة السلاجقة الروم . و إلى هذا المكان تلقى بهاء الدين ولد دعوة من السلطان علاء الدين كيقباذ الذي جمع حوله العلماء و الصوفية من كل مكان في العالم . و قد تحولت الأناضول بعد استعادتها من الصليبيين إلى بلاد مزدهرة، هادئة و كانت في تاريخ ماتزال بعيدة عن متناول غزاة المغول .
و في سنتي 617-618هـ/1220-1221م بني السلطان علاء الدين “616-633هـ/1219-1236م” الجامع الكبير على التلة القائمة في وسط قونية، قريباً من القلعة و مطلاً على السهول . و يحمل البناء الواسع البسيط طابع الفخامة الحقيقية و يتسع لأربعة آلاف مصل تحت أعمدة كثيرة أمام محراب آية في الإتقان و منبر خشبي غاية في النقش و الزينة . كان في قونية كثير من المساجد و المدارس الرائعة، و قد شيد بعضها أيضا في حياة الرومي .
هذا كان المكان الذي استقر فيه بهاء الدين ولد و أسرته حوالي سنة 627هـ/1228م و الذي بدأ فيه المتكلم الإلهي العالم فعاليات و عظة و تعليمه بنجاح كبير . و بعد سنتين فقط، توفي في سن متقدمة “18 ربيع الثاني 628هـ/12 كانون الثاني، 1231م” و عين ابنه جلال الدين خليفة له .
ما هي قصة جلال الدين الرومي؟
و حتى ذلك التاريخ يتراءى العالم الشاب مهتماً أساسا بعلوم الظاهر كان مولعا بالشعر العربي خاصة مشكل شعر المتنبي “ت354هـ/965م” و ربما يكون قد شارك في النشاطات الصوفية بقدر ما يسمح به “جو” العائلة و بعد أمد قصير من وفاة بهاء الدين ولد، في أية حال، وصل مريد سابق له إلى قونية : شرع برهان الدين محقق الترمذي ، الذي انصرف من بلخ أولاً إلى بلدة ترمذ ثم إلى الغرب البعيدة في تلقين جلال الدين ” العلم اللدني “، الحكمة الملهمة و الأسرار العميقة للحياة الصوفية .
شغل مريده بالآثار النثرية لأبيه ” المعارف””1″ التي أودعت فيها تعاليم بهاء الدين ولد و فكره . و يقال إن برهان الدين جعل جلال الدين ينقطع في ” خلوات” كثيرة، و هي فترات من الانعزال و التأمل تستمر الواحدة أربعين يوما أحيانا، إلى أن بلغ درجات عالية من الإشراق و الاستنارة و الصفاء . و يقال أيضاً إن الرومي أمضى بناء على نصيحة برهان الدين وقتا طويلاً في سورية للالتقاء بأساتذة التصوف : يحكي سبهسالار أنه رأى هناك ابن عربي “ت 638هـ/1240م”و سعد الدين الحموي وأوحد الدين الكرماني و صوفية آخرين كثيرين من ” حلقة ابن عربي ” .”2″
و من الصعب الجمع بين الروايتين . و يمكن أن نخمن أن الرومي على الحقيقة أمضى بعض الوقت وإن يكن غير مديد، في سورية ليجدد ثقافته الصوفية و في ذلك التاريخ قد يكون التقى شمس الدين التبريزي للمرة الأولى من دون أن يكون عارفاً، في آية حال، منزلته و اهميته .
و لعل أحد المقاطع في ” المقالات” لشمس يشير إلى مثل هذا اللقاء الأول .”3″ و قد غادر برهان الدين محقق قونية حوالي 638هـ/1240م . و طبقاً للحكاية، فقد توقع قدوم ” أسد روحي عظيم ” لا يستطيع أن يعيش معه في مكان واحد .”4″ وقد ذهب إلى قيصرية حيث سأل الله “سبحانه” أن يأخذ الروح الذي ائتمنه إياه :
أيها الحبيب، اقبلني وخذ روحي !
أسكرني وخدني من العالمين كليهما !
في أي شيء ارتاح فيه قلبي معك
أضرم النار، و أبعد ذلك العائق “1” !
قدم الرومي إلى قيصرية للبحث عن بقايا مكتبة أستاذة، و إلى صلته ببرهان الدين يومئ أحد الأبيات في غزل متأخر :
عندما يكون قيصرنا في قيصرية –
لا تضعنا في زابلستان “2”!
ويقع قبر برهان الدين محقق المتواضع، المحاط بالأزهار، في وسط المقبرة القديمة، وفوقه يرتفع جبل إرجياس الرائع المغطى بالثلوج . ولا يزال المسلمون الأتراك من أهل الصلاح يزورون المكان . كان برهان الدين أستاذا صارماً زاهدا، و في ” مقالاته” التي تماثل في جوانب كثيرة ” مقالات” أستاذة بهاء الدين يكتشف المرء تأثيراً قوياً للسنائي – التأثير الذي يغدو محسوساً أيضاً في شعر جلال الدين .
موضوع سفر الروح الذي تغنى به السنائي ببلاغة فائقة، ثم تناوله على نحو أكثر روعة العطار، يلقانا في أشعار برهان الدين أيضاً :
للطريق نهاية، و ليس للمنزل نهاية – لأن سير المحب،
سيرٌ إلى الله و سيرٌ في الله .”3″
- المصدر: كتاب هكذا تكلم جلال الدين الرومي- تأليف: محمد حامد