انضم يوسف البدري المولود في الشرقية بتاريخ 20 أغسطس لعام 1938 لجماعة الإخوان المسلمين، بصفته شبلًا لحسن البنا، وبتقدم العمر وشحن الأفكار الدينية المتشددة والمتطرفة، تنصل من الجماعة “الإرهابية” لغرض المصلحة ليتعاون مع كل التيارات الدينية المشابهة، ويصدر نفسه لرفع دعاوي كل من يخالف أفكاره ورؤاه.
تطرف الشيخ الراحل وحكم على الفنانين والمفكرين بالكفر والإلحاد، واحتسب المجلات والصحف في المحاكم لتسير على هواه، وفي فترة التسعينات تقدم بمقترح لإنشاء وزارة “الحسبة” لتراقب الناس، وتجلد كل من يخالف سلطتها، وتراقب المرأة في منزلها ليحكم على ملابسها، واستغل منابر المساجد ليوزع أحكامه على خصومه، يتهم “نصر أبوزيد” بالإلحاد، ويطلب منه أن يؤلف كتبًا يناقض فيها نفسه، ويتبرأ فيها من قناعاته حتى يحسبه “البدري” مسلمًا الإسلام الصحيح، رغم الدكتور الراحل كان قد نطق الشهادتين أمام الجميع ليؤكد إسلامه.
يشاور معاونيه لكن القرار الأخير قراره
كان يوسف البدري في باكستان، يعمل في جامعة كراتشي بقسم “دار العلوم”، على سبيل التقاط الأنفاس من العمل السياسي-على حد وصفه- لكنه لم ينقطع عن دعاوي الحسبة التي صدّر لها نفسه، أوكلها إلى محامين.
أجرت جريدة “الأهرام العربي” معه حوارًا في تلك الفترة نهاية عام 1998، ليعترف أنه يجتمع بالمحامين للتشاور في الموضوعات التي يتصدى لها، وغالبًا ما تكون تشغل المجتمع، يتشاور معهم عملًا بمبدأ الشوري، لكنه أكد قائلًا “الخطة الرئيسية تكون بالشوري، لكن في النهاية رأي يكون الغالب، لاعتبارات الحنكة”.
شُغلت رأس “البدري” في نهاية فترة التسعينات، بأربعة قضايا، ضد فنانين ورجال دولة، أولهم قضية فيلم “طيور الظلام” للفنان عادل إمام التي استمرت لمدة ثلاث سنوات، وقضية يطلب فيها إلغاء وزارة التربية والتعليم ليحل الأزهر الشريف بدلًا منها، وآخر قضيتين كانتا ضد صحيفتي الدستور، ومجلة روز اليوسف.
أكد يوسف البدري أنه لا يشاهد الأفلام السينمائية “أعوذ بالله أنا شيخ”، لكنه يجبر نفسه على مشاهدتها، وهو ما حصل في “طيور الظلام” الذي رأى فيه إساءة إلى “شخصه” وإلى التيار الإسلامي عمومًا، قال “انتصرت، حذف المشهد الذي رفعت من أجله القضية، وعبثا حاولت تثبيته، لكنني فشلت حتى أنقذني رجل من المملكة العربية السعودية، وأرسل لي نسخة من الفيلم تتضمن المشهد”.
المشهد أزعج الشيخ البدري لأنه فسره على أنه إهانة إلى ذاته “صورني على أنني رجل خارج على القانون والحياة والنظام، وسخر مني المؤلف وهو يقول ابن الإيه يريد أن يطهر الشوارع من هذه المشاهد”.
في النهاية، لم ينجح في إزالة المشهد، وزاد حنقه ضد صناع الفيلم، وتأصل في ذهنه أن الفيلم يسئ إليه بل ويظهره على أنه “أبله” و “مغيب”. وامتد فشله أيضًا وخسر القضايا الذي يختصم فيها مجلة “روز اليوسف” ومجلة “المصور”، وخسر قضية “الختان”.
تحرك “البدري” الدائم لرفع دعاوي الحسبة، واختصام كل ما يراه مخالفًا للعقيدة والأخلاق، أو يراه مناقضًا لأفكاره، شجّع الإعلام ليلقبه بـ”شيخ الحسبة”، وهو اعتبره شرفًا “هذه اللقب شرف لا أدعيه، وتهمة لا أنفيها”.
“الزعيم” يتحدى “عمامة” البدري
قضية فيلم “طيور الظلام” فتحت بين “البدري” و الفنان عادل إمام مساحة من الجدل، خاصة بعدما كفّر الشيخ “الزعيم”.
الفنان عادل إمام عارض “البدري”، ورفض أحكامه بكفر كل من يعارض أفكاره، فرد “البدري” “لو سألته عن نقاض الوضوء لن يعرفها، والله لو رصها لخلعت العمامة على الفور”.
لم يصمت “الزعيم” منذ حملة الشيخ على أعماله السينمائية، إذ خرج في عدة حوارات صحفية معلنًا استعداده لمناظرة “البدري”، صرّح لجريدة “الأهرام العربي” في نفس العام 1998 “على استعداد تام لمناظرته، لأننا ليس كما ندعي، وليس من حقه أن يتهم الآخرين بالخطأ، وأنا لم أقابله ولا أعرف شكله، وأطالبه بالكف عن الدعاوي القضائية”.
أعلن “البدري” موافقته على المناظرة، لثقته في حسمها على الهواء، وقدرته على أن يخرجه خاسرًا “سأثبت أنه يجب عليه أن يغلق مسرحه، ويبدد أمواله الحرام، وأن يبعدها عنه، وأن يعمل عملا بفأس يأكل اللقمة بشرف”.
مواجهة نظر أبوزيد من على المنابر
استغل “البدري” صعوده على منبر مسجد الجمعية الشرعية بمدينة “نبروه” وسلط لسانه على كل من يخالف أفكاره، سواء كانوا أشخاصا أو مؤسسات وصحف ومجلات.
وصف الدكتور نصر حامد أبوزيد بالملحد الكافر الذي يدعي أن العرش والجنة والنار واللوح المحفوظ أساطير وخرافات، قال “نحن لا نهادن الملحدين، واستطعنا الحصول على حكم قضائي بحبس صاحب السينما بديع صبحي، أما البقية فكلهم أعداء الإسلام”.
تكرر تعدى “البدري” على الدكتور نصر أبوزيد وهو على منبر نفس المسجد، وألصق به اتهامات بأنه يدعي أن القرآن من تأليف النبي محمد، ورغم أن “أبوزيد” قد نطق الشهادتين في محاولة للتأكيد على كذب وافتراء من يكفرونه، رفض “البدري” وطالبه أن يعلن براءته من كل كتبه، وطلب من أن يؤلف كتابا يرد فيه على نفسه وعلى أفكاره التي كتبها في كتبه السابقة، ويتبرأ من كل أفكارها ليتاح له الزواج من زوجته مرة أخرى “أطلب منه ذلك ليتسنى الزواج من زوجته الحالية الدكتور ابتهال”.
ولم يتوقف عن مهاجمة “أبوزيد” فقط، بل وصف كل من يؤيدونه ويدافعون عنه بالشيوعيون الملاحدة.
القمني عاجز ونوال “ديك رومي”
الدكتور نصر حامد أبوزيد وسيد القمني حسب وجهة نظر الشيخ يوسف البدري، لا يختلفان من ناحية الفكر، غير أنه وصف الأخير بالـ “سياسي” يدس السم في العسل، والأول يضرب بعصا شوك تدمي وتقتل.
يحسب “البدري” نفسه دائمًا المنتصر في أغلب معاركه، حكى عن دحضه لأفكار “القمني”، في مناظرة على شاشة قناة “أوربيت ” استمرت لمدة ساعتين، قال “في أول نصف ساعة تكلم سيد 10 دقائق، وفي النصف ساعة الثانية 5 دقائق، وفي الساعة الأخيرة لم يتكلم أكثر من 10 دقائق، لأنه لم يجد جوابا، وأفهمته أمام الناس أنه يغير كلمات القرآن باعترافه”.
وعندما سأل عن تفوق نوال السعداوي في مناظرتهما على قناة “الجزيرة”، أرجع السبب إلى تحيز المذيع فيصل القاسم مقدم البرنامج، ثم وصف “السعداوي” بالـ “ديك الرومي” الذي نفش ريشه بناءً على تحيز المذيع “العلماني”.
وواصل محاولة إثبات تحيز “القاسم” لـ “السعداوي” باستشهاده بمكالمات هاتفية ورسائل عديدة وصلته في الفندق الذي كان يقيم فيه “جاءتني رسائل عديدة، كلها تؤيدني”.
رفض “البدري” أفكار المفكرة الراحلة، فيما يخص محاولتها لتسمية الرجل باسم والدته، ورفضها لفكرة الزواج.
اقتراح وزارة الحسبة لمراقبة ملابس المرأة وجلد الشاب المعاكس
أواخر فترة الثمانينات، اقترح الشيخ يوسف البدري عضو مجلس الشعب حينها، إنشاء وزارة جديدة باسم “الحسبة”، اتباعًا لنهج المماليك، تعمل –حسب اقتراحه- على السيطرة على أمور العباد وكل مناطق البلاد في حراسة الدين والسياسية بأحكام الشريعة.
وطرح أمام مجلس الشعب تشكيل الوزارة حسبما يتراءى له، وحدد مقرها، قال في حواره لجريدة “الأحرار” يناير 1989 “مقرها في القاهرة، وفروعها في المساجد، حيث يصبح كل مربع به مسجد مقرا لمجموعة مكون من شيخ وضابطين وعشرة عساكر أو أكثر حسب مساحة المربع”.
تعمل الفئة التي حددها “البدري” في الشوارع والمصانع والمزارع والأندية والكازينوهات والأتوبيسات العامة والخاصة، وفي كل مكان عام، وتراقب الناس “إذا رأوا لسعة مغشوشة، أو عامل مهمل، ينذرونه في المرة الأولى”.
ومنح الشيخ في اقتراحه بوزارة “الحسبة”، سلطات مراقبة التلفزيون والصحف والإعلانات “إذا وجدوا ما هو خارج منعوه، لأننا سوف نتمتع بسلطة واسعة”.
وشدد في اقتراحه على مراقبة ملابس النساء “الشارع يكتظ بالمخالفات”، واقترح أن المرأة التي يُرى تبرجها –حسب وصفه- تعود إلى منزلها لتزيل المكياج وتستبدل ملابسها، و زاد على ذلك بفكرة مراقبة منزل المرأة التي قد يخُيل إليها أنها خدعتهن، قال “سنعرف أين منزلها ونراقبها، كل مشكلة عندنا ليها حل”.
ومنح “البدري” وزارته المقترحة على مجلس الشعب سلطة جلد الشاب الذي يشاهد أثناء معاكسته للفتيات في الشارع، بالإضافة إلى قص شعره، قال “نجلده جلدتين أو أربعة كما جاء في عقوبة التعزير”. وسيجلد أيضًا السكير على الطرقات، كما سيراقب محلات الخمور ليجلد المشتري أو من يحوز الخمر في الطريق العام، كما سيجلد الشاب الذي يجلس مع فتاة في الشارع، قال “سنفاجئه ونمنعه من ذلك ثم نجلده جلدتين”.