كانت أول مشهد في الأفلام المصرية، يتضمن القبلات في السينما، في فيلم “قبلة في الصحراء” عام 1927، وبحسب كتاب “سلطة السينما.. سلطة الرقابة” لأمل عريان فؤاد، هو ثاني فيلم في تاريخ السينما العربية بعد فيلم “ليلى”، عرض عام 1927 للمخرج الفلسطيني المصري إبراهيم لاما.
بعدها بست سنوات، تحركت مؤسسة الأزهر لحذف القبلة من فيلم “الوردة البيضاء” التي كان بطلها موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب وسميرة خلوصي، ووصل الأمر لتقديم شكوى للأمن العام.
صور المخرج محمد كريم أحداث الفيلم في أستوديوهات باريس، واعترض الأزهر الشريف على قبلة “عبد الوهاب” وهو يرتدي الطربوش الذي كان زيًا قوميًا في البلاد.
وروى محمد كريم في مذكراته، أن الأديب طه حسين، أرسل له تهنئة للنجاح الجماهيري الذي حققه الفيلم، وأشاد بأداء الفنان محمد عبد الوهاب التمثيلي في الفيلم، قال “أهنأه بالأمرين، كلاهما خليق أن يهنأ به، وعبد الوهاب خليق أن يظفر منها بأعظم حظ ممكن”.
ورغم اعتراض الأزهر على مشهد “القبلة” إلا أن المخرج محمد كريم، أكد في مذكراته، أن الجمهور استقبل الفيلم استقبالا كبيرًا “صفق الجمهور لدقائق طويلة، واستقبله استقبالا رائعًا، وانتجت المصانع تيمنا باسم الفيلم، نسيج حرير الوردة البيضاء، وفتح فندق بنفس الاسم، حتى أن الحانوتية كتب يافطة حانوتي الوردة البيضاء”.
توجو مزراحي أدخل القبلات في السينما
مرت القبلات في السينما التي أدخلها المخرج توجو مزراحي في أفلامه السينمائية، بداية من فيلم “سلامة” عام 1945 بطولة كوكب الشرق أم كلثوم، وظهر من بعده تقليد القبلة الختامية التي تظهر بين بطلي الفيلم عادة، وقلدها بقية المخرجين والفنانين في الأفلام التي أنتجت في تلك الفترة.
وكانت القبلة الختامية في الأفلام السينمائية، تظهر في أفلام بعض الفنانين الذين رفضوا القبلات بعد ذلك في أعمالهم السينمائية، لأمور عائلية غالبًا، منهم الفنان إسماعيلي ياسين، الذي ناقش قضية “التحول الجنسي” في فيلم “الآنسة حنفي” عام 1945، دون حرج.
ظلت الأمور هادئة نسبيًا، إلى أن طرأت بعض التغييرات على المجتمع المصري في فترة السبعينات، وهو ما أورده الناقد الفني سمير فريد في كتابه “تاريخ الرقابة السينمائية في مصر”، وشرح، أن الجماعات الإسلامية كانت تحث الجمهور على رفض القبلات في الأفلام السينمائية وتطالبهم بعدم مشاهدتها، وشنت الجماعة الإسلامية حملة على فيلم “حمام الملاطيلي” وطالبوا بعدم مشاهدته، وتزامن ذلك مع سن قوانين من حكومة “السادات” بفرض قيود رقابية على الأفلام السينمائية، والتي كان معظمها متاحًا في السابق.
مصطلح السينما النظيفة في مواجهة القبلات في السينما المصرية
وظهر بعدها مصطلح “السينما النظيفة” في مواجهة القبلات في السينما، وتضخمت حملات اعتزال الفنانات من السينما، وظهرت موجة التدين التي كان أشهر مؤيديها محمد متولي الشعراوي، واعتزال الفنانات، مديحة كامل وشمس البارودي وارتدت بعض الفنانات الحجاب، وفرضن قيود على ظهورهن في الأفلام السينمائية، على أن تكون خالية من مشاهد القبلات وغيرها من الأمور التي بدأ تحريمها من قبلهن.
وكان من الفنان الكبار، عادل إمام الذي صرّح بأنه لا يقبل أن تظهر إحدى بناته في مشهد سينمائي يتضمن قبلة سينمائية. وحقق جدلًا واسعًا وقتها.
كما رفضت بعض الفنانات تصوير مشاهد قبلات، إذ رفضت الفنانة المعتزلة نورا تصوير مشهد مع الفنان عادل إمام في “غاوي مشاكل” 1980، و “المحفظة معايا” 1978، وهو ما تكرر مع الفنانة آثار الحكيم.
ورفضت الفنانة هند رستم أيضًا بطولة فيلم “أبي فوق الشجرة” لتضمنه مشاهد قبلات عديدة، رأت أنها خارج السياق الدرامي للفيلم، وهو ما كررته في فيلم “الحب الأخير”.
لم تكن هند رستم، ترفض القبلات في السينما طالما أنها تخدم العمل الفني، وتدخل في سياق الأحداث، فصورت في فيلم “الحب الأخير” 1959 مشاهد قبلات مع الفنان أحمد مظهر، لكنها اعترضت على القبلة الثالثة في الفيلم لأنها رأت مخرج الفيلم محمد كامل حسن المحامي “زودها حبتين”.
وكان الفنان حسين صدقي، حاد في موقفه، ولُقب بـ “واعظ السينما” واعتزال الفن، وطالب بإحراق أفلامه التي تتضمن قبلات، رغم أن أنه كان بطل القبلات الأولى في السينما المصرية في فيلم “العزيمة” مع الفنانة فاطمة رشدي عام 1939.
مواقف متغيرة بين قبول ورفض القبلات في السينما
الفنان محمد فوزي كان يتدخل في قرار الفنانة مديحة يسري في أفلامها السينمائية، إذ حدث كما روت في حوار تلفزيوني عُرض على شاشة قناة “ماسبيرو زمان”، أنه رفض رفض قاطعا تصوير مشهد قبلة سينمائية في فيلم “إني راحلة” وأرسل خطابا للمخرج عز الدين ذو الفقار يحذره من تصوير المشهد ” هخسرك نهائيًا، إذ صورت هذا المشهد”.
وتمت القبلة بين مديحة يسري وعماد حمدي بحيلة سينمائية.
كما رفض الفنان أنور وجدي أن تظهر زوجته الفنانة ليلى مراد، في مشاهد سينمائية تتضمن قبلة سينمائية، ووصل الأمر إلى الطلاق والانفصال، بسبب قبلة “الماضي المجهول” عام 1946، إلى أن تأكد “وجدي” أن القبلة ليست حقيقية.
كما احتد الموسيقار بليغ حمدي على مشاهد القبلات في السينما، إذ اعترض على مشهد بين الفنان سمير صبري وزوجته الفنانة وردة، كما روى سمير صبري عن كواليس فيلم “حكايتي مع الزمان”.
كان من المفترض أن يقبل سمير صبري الفنانة وردة لكن “حمدي” قال “محدش يقبل وردة”، وحاول مخرج الفيلم حسن الإمام إقناعه بأن القبلة ستكون على خد زوجته وردة، لكنه رفض في البداية، إلى أن أقنعه “الإمام” وتمت القبلة على خدها فقط.